طارق رضوان
التنظيم الدولى يفكر فى الموافقة لكسب الوقت
*وقف العنف والتظاهر والاعتراف بالثورة والسيسى رئيسًا والاعتذار للشعب
*فصل «الحرية والعدالة» عن مكتب «الإرشاد» وفتح الباب للمرأة والأقباط
*تبعية اللجان الإخوانية لوزارة التضامن وتقديم إقرارات بكل التبرعات والأنشطة
*ابتعاد الجماعة عن العمل السياسى.. وتركه للحزب.. والتفرغ للعمل الدعوى
الزمن. هو عدو الجماعة الأول والأشرس. فهو يأكل من قوتها وشعبيتها وقدرتها على التماسك ويقتل مصداقيتها عند قواعدها وهذا هو الاهم ومن الشعب، وتلك خطوة مؤجلة. وغياب مرشد عام قوى له تاريخه وسمعته أضر كثيرًا الجماعة وأصبحت بلا عقل يدبر يتخذ القرار والجميع ينفذ السمع والطاعة. لكن ضعف شخصية بديع وتفرق اتخاذ القرار ما بين إخوان الداخل فى مصر وإخوان الخارج الهاربين لتركيا وقطر وماليزيا، وما بين التنظيم الدولى فى لندن المنقسم هو الآخر. ما بين تلك الخلافات ضاع القرار والجماعة فى طريقها للضياع الأخير أيضًا.
لم يكن محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين يلقى أى هيبة من عدد كبير من القيادات أو من القواعد وفور إعلان فوزه بالانتخابات كمرشد عام انقسمت الجماعة ما بين رافض وهم الكثرة وما بين مؤيد وهم عدد قليل مما أدى لانقسام حاد بين صفوفهم وأطاحوا بكل القيادات القوية، وعلى رأسهم الدكتور محمد حبيب نائب المرشد - مهدى عاكف - وأحد أقوى الكوادر فى الجماعة فى وقتها الراهن. الأمر الذى جعل حبيب يلزم بيته بعد إقالته وشعوره الرهيب بطعنه من الخلف وخيانة القيادات الصديقة له مما جعله ينشق عن الجماعة ويسرد فى الصحف جرائمهم فى حق الدين وفى حق الشعب وفى حق الجماعة نفسها.
حبيب سرد ذلك علنًا على صفحات الجرائد من خلال حوارات ومقالات كتبها بنفسه ومن خلال الفضائيات، ولم يكن الوحيد المطعون بخنجر الخيانة فى ظهره فقد لحقه كمال الهلباوى ومختار نوح وغيرهما كثيرون.
بديع لم يكن الرجل المناسب فى نظر الجماعة حتى أنه كان ملقبًا (بالمنشد العام) لحلاوة صوته فى الغناء ومع توالى الأحداث كان بديع يثبت مع كل أزمة أنه دمية فى يد نائبه خيرت الشاطر مما أضاع هيبة المرشد وهو ما أثر على تماسك الجماعة وقت المحنة الكبرى بعد ثورة يونيه.
ووقع الإخوان فى متاهات من يتخذ القرار ومن له السمع والطاعة فى حالة من التخبط العام فى إيجاد طريق جديد للحفاظ على تماسكها وهيبتها أمام قواعدها من الشباب، ومنذ شهور عديدة وقيادات التنظيم الدولى تعمل جاهدة للوصول لصلح مع الدولة واستخدمت دولًا عربية وغربية للضغط على النظام المصرى للوصول لمصالحة تحفظ ماء وجه القيادات دون النظر لهيبة الدولة ووضعوا شروطًا تبدو مستحيلة للصلح فى أول الأمر ثم بدأوا فى التراجع رويدًا رويدًا مع تعنت الدولة مع كل مبادرة تقدمها الجماعة حتى وصلوا لمحطتهم الأخيرة مما أثار حالة من الغضب لدى قطاع كبير من الشباب المطحون فى المواجهة مع الأمن داخل مصر فهناك ثمة صراع مكتوم بين ما يسمى بالمكتب الإدارى للإخوان بالخارج الذى ترأسه الدكتور أحمد عبدالرحمن «عضو مكتب شورى الجماعة»، حول المصالحة مع الدولة. فالتنظيم الدولى وعلى رأسه «إبراهيم منير» فتح قنوات اتصال مع مسئولين بالسعودية عقب براءة الرئيس الأسبق محمد مرسى، حيث اعتبرها مؤشرًا قويًا لإمكانية الصلح مع النظام، وفى الوقت نفسه لم تنقطع الاتصالات بين التنظيم والبيت الأبيض. وما بين دول أوربية أخرى كألمانيا وإنجلترا لكن فى المقابل يرفض المكتب الإدارى الجديد الذى تم انتخابه من «إخوان مصر» الذين فروا إلى أربع دول «تركيا، وقطر، والسودان، وماليزيا» الصلح، وهو ما يتسق مع شباب الإخوان الذين بدأوا فى عمليات «انتقامية» نوعية ضد ضباط الجيش والشرطة فى مسعى لإحراج السلطات لإظهار عدم قدرتها على حماية أنفسها. بتوجيه من خيرت الشاطر الذى أمرهم بالابداع فى المواجهة كما ذكرنا من قبل . فى نفس الوقت يتحرك أحمد عبدالرحمن وهو من الجيل الثانى للإخوان فى جولات مكوكية بين تركيا وقطر وماليزيا، لإقناع الإخوان بالخارج بضرورة المضى قدمًا فى «الثورة»، وإن وصل الأمر لرفع السلاح علنًا بدعوى إنها الحل الوحيد لمواجهة الصراع رغم كونه مكتومًا ولم يظهر للسطح، لكن كفة التنظيم - على الرغم من خلافه مع شباب الجماعة - تبدو الأقوى بعد الحكم ببراءة مرسى، ناهيك أنه يمثل التمويل لكل نشاطات الجماعة حول العالم، وليس هذا فحسب بل إن قيادات التنظيم أقنعت صقور التيار القطبى وعلى رأسهم «محمود حسين» بضرورة سلك المسار التفاوضى حتى لا تتفتت الجماعة أكثر من ذلك.
وقد بدأت بالفعل المحاولة من جديد للاتصال برجال من الدولة للوصول إلى حل للتصالح عن طريق وسطاء معروفين بميولهم الإخوانية وبحكم موقعهم الاجتماعى لهم اتصالات برجال من الدولة، وكان رد بعض الجهات فى الدولة ادعت أنها غير رسمية ولا تمثل إلا نفسها إلا أنها على مقدرة بتوصيل بنود الاتفاق مع الدولة رسميًا، ومحاولة إقناعها بالشروط الجديدة تلك الجهة أو هؤلاء الأفراد وضعوا شروطًا للصلح قالوا إنها فى حالة الموافقة عليها من جانب الإخوان يمكنهم إقناع الدولة بالصلح مع التأكيد على أن النظام رافض تمامًا المصالحات وغير مستعد للتفاوض بعد كم الجرائم التى ارتكبتها الجماعة فى حق الشعب وتورطهم علنا فى عمليات قتل لمدنيين وضباط وجنود من الجيش والشرطة علاوة على عمليات التخريب فى البنية التحتية بالدولة مما يعدها جرائم لا تغتفر، ولا يمكن التفاوض على الدم والتغاضى عن جرائمهم. وتنص بنود المصالحة - حتى الآن - إلى الإفراج الكامل عن كل محتجزى الجماعة من الشباب، وفى المقابل تفكيك الجماعة إلى عدة قطاعات. حيث ينفصل الحزب عن الجماعة ويدخله عدد كبير من النساء والأقباط ليصبح حزبًا مدنيًا لا يعمل فى الدين ولا ينص أى بند من بنوده أنه حزب دينى أو يتخذ أى شعارات دينية، ويتخذ كذلك اسمًا آخر غير الحرية والعدالة أما بخصوص اللجان الخاصة بالتنظيم وهى لجان الشباب واللجنة الاقتصادية وغيرها لابد أن للوزارات المعنية وتكون تحت إشرافها بشكل قانونى، وتقدم لتلك الوزارات إقرارات بكل التبرعات والنشاطات المختلفة، وتكون تلك اللجان بعيدة عن الجماعة كما فى عودة الجماعة لابد أن تبتعد نهائيًا عن العمل السياسى وتكتفى بالعمل الدعوى وعدم الدخول فى الانتخابات البرلمانية من قبل القيادات المعروفة كما لابد من الابتعاد عن الشعارات الدينية فى حالة دخول أفراد تابعين للجماعة أو يمثلونها، وأخيرا يعتدز التنظيم علنا فى بيان للشعب عن كل أخطائه فى حق الشعب المصرى وعدم الحديث عن القيادات المحبوسة والمتورطة فى جرائم دم وتخابر ووقف أعمال العنف والتظاهر بشكل نهائى والاعتراف بعبد الفتاح السيسى رئيسًا للبلاد والاعتراف بثورة يونيه. مقابل الإفراج عن الشباب المسجون شرط أن يكون غير متورط فى أى أعمال قتل أو عنف. تلك هى الشروط التى وصلت للتنظيم الدولى من جانب أفراد وجهات قريبة من النظام فى محاولة لإقناع النظام بالتصالح مع الدولة، وهى شروط أزعجت التنظيم وأوقعتهم فى حيرة كبيرة، فموافقتهم لتلك الشروط معناها تحلل الجماعة نهائيًا، كما أن مصداقيتهم لدى القواعد المهزوزة فى الأصل تصبح على المحك ويفقد التنظيم هيبته وقدرته على قيادة الشباب. وعندما وصلت أنباء تلك الشروط لدى القيادات الهاربة انتابتهم حالة من الغضب الشديد ورفضوا تمامًا تلك الشروط فى حين أن التنظيم الدولى له رأى آخر وتوجه آخر، لأنه يريد أن يحصل على عدة مكاسب أهمها توقف عمليات الملاحقة الأمنية واكتساب وقت بأى شكل لالتقاط الأنفاس لإعادة النظام من جديد داخل الجماعة. وبرغم تلك الشروط إلا أن هناك اتجاهًا كبيرًا داخل النظام لرفض أى محاولة للصلح مع الجماعة فى الوقت الراهن أو خلال سنوات حكم عبد الفتاح السيسى.