قال خطيب الجمعة أول أمس بالمسجد الذي نصلي به، موجهاً حديثه للناس التي تشكو صعوبة المعيشة وغلاء الأسعار، والذين قد سمع فضيلته بعضهم معبرين عما أصابهم أن الحياة بالنسبة لهم أصبحت "ضنك"، فأشار الخطيب أن المعيشة الضنك ليست لها علاقة بطبيعة المعيشة، وإنماهي-فقط-تتحقق عندما يلهو الناس ويعرضوا عن ذكر الله، مؤيداً كلامه ومذكراً إياهم بالآية الكريمة "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمي"،هو كلام حق لا شك ، لكن الله أعلم بحقيقة ما يُراد به. جاء كلام خطيب مسجدنا هذا مفرطاً في الخداع والتغييب، وجانبه الصواب و لم يكن موفقا في التشويش وإختزال صعوبة الحياة وضنكها فقط لمن لا يذكرون الله، حتي لو كانت حياتهم ومعيشتهم في الواقع هكذا، لأن من لديه قدر ولو بسيط من الفهم، سوف يربط أو يستبطن ما يهدف إليه من ذلك الكلام، أما الذين يعملون عقولهم ويفكرون فقد يفهمون أنه يوجد من قد أملي عليه أو أشارعليه بقول ذلك، لأنه يدعو البعض للتساؤل لماذا هذا الكلام في هذا الوقت بالذات، وعقب أزمة الخبز التي فجرها-بدون دراسة كافية- منذ أيام السيد وزير التموين، والتي كادت من خلال المشاهد التي رأيناها في بعض المحافظات، أن تسحق الغلابة وتقضي علي آخر امل في حصولهم علي أساس عيشهم وهو رغيف الخبز، وهل كلام خطيبنا هذا كان تطبيقاً لكلام السيد وزير الأوقاف منذ أيام بإحدي الفضائيات حيث قال سيادته "من ليس لديه رؤية وطنية، فلن نسمح له بصعود المنبر". إنه لمن عجب العجاب ويدعو للإستنكار، أن يستكثر البعض علي الغلابة أن يعبروا عن أحوالهم وما يدور بداخلهم حتي لو مجرد التنفيس قولاً عن غضبهم، بل الأدهي والأمر أن ينصحوهم بتزييف وكتم مشاعرهم، وقول ما يرضي عنه أولي الأمر منهم، بما يمثل نفاق مشاعر وتزييف حقائق، هؤلاء الغلابة الذين يعانون جراء غلاء المعيشة، بين فكي رحي، حيث يشاهدون الفضائيات ويسمعون بعض مذيعيها يقول مثلاً أن الرئيس دلع الشعب، يتهمهم البعض الآخر ويلومونهم بأنهم هم سبب هذا الغلاء بسبب نسلهم الزائد وكسلهم وتنبلتهم بما يُمثل العبأ الأكبر علي الحكومة ، التي تتفاني في توفير الخدمات لهم، هذا إضافة الي جشع بعض التجار وإحتكارهم للسلع، ثم حينما يذهبون للصلاة في المساجد يجدون الشيوخ وقد إتهموهم بجهلهم في فهم الدين الصحيح وسلوكياتهم العشوائية، وأن عليهم ان يتقشفوا ويصبروا تأسيا بالرسول صلي الله والصحابة، بل قد يغالي بعض خطباء المساجد في نصح الناس-تضليلاً-بأن يعيشوا كالملائكة زاهدين في الطعام والشراب وغيره من متطلبات الجسد، حيث أن الدنيا-من وجهة نظرهم-لا قيمة لها، وأنها لا تساوي عند الله شيء!!!. الإعتراف بوجود مشكلة ومن ثم مواجهتها ومحاولة حلها عن طريق من لديهم خبرة من المتخصصين، والعدول عن الطريق الخطأ وتغييره أفضل من الإستمرار فيه حتي إن مشينا فيه بمساعدة أحدث وأسرع الوسائل لأنه طريق خطأ، ولا داعي للمكابرة أو التبريرات والإلتفاف وحاولة تجميل الخطأ، وعندما نبدأ في تطبيق ذلك سوف يتكاتف الجميع في هدف واحد وهو إيجاد حلول لمشاكلنا وبالطبع يد الله سوف تحتضننا جميعاً.