الصباح
سليمان شفيق
بالأسماء: قائمة المتاجرين بدماء الأقباط
*برهامى» أصدر 14 فتوى تحرض على كراهية المسيحيين وهدم كنائسهم والاعتداء عليهم
*مفتى الإخوان يحرم إقامة المسيحيين فى المعادى والعاشر من رمضان وحلوان ويطالب بهدم كنائس الإسكندرية

تسود الحالة القبطية حالة من الارتباك، لأنه بعد ثورة 30 يونيو أصبحت تطلعات الأقباط أكبر من توقعاتهم، وما يحدث معهم على الأرض لا يتناسب مع عطائهم، بل وموقف الرئيس الإيجابى منهم ومن قضاياهم لا يقارن بموقف أجهزة الدولة!!
لذلك نحن أمام مشهد يحتاج إلى تحليل.. كون المواطنيين المصريين الأقباط جزءا لا يتجزأ من معسكر 30 يونيو ومن كتلته الحرجة، ومن منظور اجتماعى يشكل فقراء الأقباط وطبقتهم الوسطى حجر الزاوية للظهير الاجتماعى لمشروع الرئيس السيسى، لكن القراءة تحتاج لمعرفة: هل ما يحدث مع الأقباط يتم بفعل فاعل؟ وما سر التناقض بين موقف مؤسسة الرئاسة الإيجابى وموقف أجهزة الدولة السلبى؟
ثلاثية التمييز ضد الأقباط:
من قبل ثورة 25 يناير هناك ثلاثية تمييز ضد الأقباط:
أولًا: تمييز قانونى من قبل الدولة: يتجسد فى بضعة قوانين تحتاج إلى تغيير مثل قانون جامعة الأزهر التى تمول من أموال المواطنين المصريين (مسلمين ومسيحيين) ولا تقبل غير المسلمين، وقانون بناء دور العبادة، الذى يشكل (86 فى المائة) من أسباب الفتن الطائفية، لأنه يرتكز على الشروط العشرة لبناء الكنائس التى أقرها العزبى باشا وكيل الدخلية 1934، والتى تجعل بناء كنيسة ضربا من الصعوبة، وتحتاج لقرار جمهورى، وقانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، الذى ما زال حبيسًا منذ ربع قرن وغيرها من القوانين.
ثانيًا: تمييز عرفى غير مقنن ولكنة سارٍ.. وينطبق على النسب فى الوظائف وفى الكليات العسكرية، وبعد أقسام كليات عملية مثل «النساء والولادة» فى الطب أو قسم «اللغة العربية» فى كليات الآداب وغيرها.
ثالثًا: التمييز الذى يرقى إلى حد الاضطهاد من قبل الجماعات المتطرفة، وعلى سبيل المثال الفتاوى بعدم جواز بناء كنائس فى ديار الإسلام، بناء دور العبادة للأقباط: ثلاثة أسئلة عن الرأى الإسلامى فى مجموعة من القضايا التى تتعلق بغير المسلمين حملها العدد رقم 56 من مجلة الدعوة لسان حال الجماعة، أجاب عنها جميعًا الشيخ محمد عبدالله الخطيب، مفتى الجماعة فى القضايا الشرعية والسياسية، أول هذه الأسئلة كان عن حكم بناء الكنائس فى ديار الإسلام، ويجيب مفتى الإخوان أن حكم بناء الكنائس فى ديار الإسلام على ثلاثة أقسام:
- الأول: بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها، كالمعادى والعاشر من رمضان وحلوان. وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث «كنيسة» ولا «بيعة»، والثانى: ما فتحه المسلمون من البلاد بالقوة كالإسكندرية بمصر والقسطنطينية بتركيا، فهذه أيضا لا يجوز بناء هذه الأشياء فيها، وبعض العلماء قال بوجوب الهدم لأنها مملوكة للمسلمين، والثالث ما فتح صلحًا بين المسلمين وبين سكانها، والمختار هو إبقاء ما وجد بها من «كنائس» و«بيع» على ما هى عليه فى وقت الفتح ومنع بناء أو إعادة ما هدم منها.
المفهوم من الفتوى فى غير لبس، أن البلاد التى أحدثها المسلمون وأقاموها لا تتسع لغير المسلمين، والمغالطة الأولى أن الأحياء المصرية المشار إليها قد بناها المصريون جميعا، مسلمين ومسيحيين، وأن حقوق المواطنة التى يقرها الدستور المصرى لا تحول دون إقامة المواطن المصرى فى أى مكان يتناسب مع مكانته الاجتماعية وظروفه الاقتصادية وطبيعة عمله، وبالتبعية فإن من الحقوق الراسخة للمصريين المسيحيين القاطنين فى المعادى والعاشر من رمضان وحلوان أن يمارسوا شعائرهم الدينية فى حرية تامة، لكن هذا الحق البدهى يبدو مستحيلا فى ظل التحريم القاطع الصارم الذى يقدمه الشيخ، فكأنه يطالب موضوعيا بجيتو مسيحى مغلق، فى مكان محدد محدود، لا يجوز الخروج منه أو التطلع إلى غيره.
كيف وأين يتعبد المسيحيون إذن؟
الأخطر هى الفتاوى من بعض السلفيين المتشددين، التى تكفر المواطنين المسيحيين، وتزدرئ عقيدتهم، وتحرم حتى تهنئتهم فى أعيادهم، كل تلك الفتاوى هى التى تعد القاعدة الفكرية لبث ثقافة الكراهية، التى تصل إلى استخدام العنف ضد الأقباط، وللكاتب رصد لــ(14) فتوى فقط للشيخ الدكتور ياسر برهامى مسجلة على المواقع السلفية وعلى صفحته.
كل ذلك أدى إلى استخدام العنف البدنى ضد المواطنين الأقباط من قبل تلك الجماعات (للكاتب رصد من 1983وحتى 2010) «320» مواطنًا مسيحيًا قتلوا على الهوية فى أحداث عنف، ولم يقدم للمحاكمة إلا قضايا «الكشح 1و2» وحصل المتهمون على البراءة لعدم كفاية الأدلة، وقضية مذبحة «نجع حمادى»، وحوكم فيها الكمونى بالإعدام وزملاؤه بالسجن!!
من 25 يناير لـ30 يونيو:
نذكر على سبيل المثال أن الشباب القبطى الذى شارك فى ثورة 25 يناير، والذى دفع حياته، مثل مينا نبيل فى ميدان عبدالمنعم رياض فى 28 يناير، ومينا إسطفانوس «26سنة» من مدينة ببا بمحافظة بنى سويف، وأبانوب عوض نعيم «18 سنة» وكان يدرس بالفرقة الثانية بكلية الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات، وجرجس لمعى موسى «30سنة» وكان يعمل سائقًا فى إحدى شركات الأدوية، وكان يشارك فى المظاهرات مطالبا بالتغيير والإصلاح، وفايز فهيم السيد «24سنة»، ومايكل وصفى ملطى «23 سنة» حاصل على دبلوم صناعى، ويوسف فايز أرمانيوس «23 سنة» من مدينة السلام بالقاهرة، ومريم مكرم نظير «16 سنة» وكانت تدرس بالصف الأول الثانوى التجارى من حى الزاوية الحمراء بالقاهرة، حيث كانت تسكن بجوار قسم الزاوية، وقد صعدت لأعلى المنزل وقامت بتصوير انتهاكات الشرطة، فأصابتها رصاصة من أحد قناصة الشرطة، وتتشابه معها أميرة سمير شحاتة «16 سنة» من مدينة الإسكندرية، حيث استشهدت فى محطة الرمل برصاصة من ضابط أثناء قيامها بتصوير انتهاكات رجال الشرطة ضد المتظاهرين، ونذكر شهداء آخرين، منهم جرجس صابر وفؤاد سليمان وأسعد عبدالملاك الذى تعرض لثلاث رصاصات فى الصدر وأسفل الظهر وفى القدم اليسرى، إضافة إلى 24 ضحية فى «مذبحة ماسبيرو».. و11 ضحية فى «مذبحة المقطم» و8 ضحايا فى إمبابة، ورغم ذلك وقف المواطنون الأقباط ضد الحكم الإخوانى علانية من اللحظة الأولى، الأمر الذى دعا القطب الإخوانى الإرهابى خيرت الشاطر لأن يقول: «80 فى المائة من المتظاهرين أمام الاتحادية أقباط»!!
وتتصدر الكنيسة المشهد وتكون أول المنسحبين من الجمعية التأسيسية للدستور الإخوانى، الأمر الذى دفع الإخوان لإرسال بلطجية للاعتداء على الكاتدرائية، وذلك دفع الكنيسة والأقباط للمشاركة بحزم فى ثورة 30 يونيو، الأمر الذى كلفها (32) ضحية خاصة بعد فض الاعتصامات الإرهابية، ومنهم من تم تمزيقه ومنع دفنه أيامًا مثل إسكندر طوس بقرية دلجا بدير مواس بالمنيا، إضافة إلى حرق ونهب 62 كنيسة وآلاف من ممتلكات الأقباط.
ماذا حدث للأقباط بعد 30 يونيو؟
تحمل الأقباط كل ذلك وشاركوا فى الإطاحة بالحكم الإخوانى ودفعوا ثمن وطنيتهم، ولكن رياح الثورة أتت بما لا تشتهى سفن الأقباط، استمرت فتاوى الظلاميين، والفرق أنهم الآن (حزب النور وأحزاب دعم شرعية مرسى الإرهابى) ما زالت شرعية، بل وأنصارهم فى القرى يتحكمون فى بناء الكنائس (مثال قرية الجلاء بسمالوط بالمنيا)، التى تمتلك تصريحا رسميا، ولكن المتشددين أرغموا الأقباط لجلسة عرفية، اضطر فيها الأقباط للإذعان لشروط المتشددين ببناء كنيسة بلا منارة ولا صلبان!!
كذلك منع الأمن للمصلين فى قرية «ميانة» مغاغة بالمنيا من الصلاة فى أسبوع الآلام (وفق شهادة الأنبا أغاثون مطران مغاغة)، ومهما كان المكان غير مصرح به، فقد تم العناد من أجهزة الأمن.
والمثال الأخير كما يذكر الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا: «فوجئنا بأنه بعد الانتهاء من المرحلة الأولى لبناء الكنائس المحترقة من الإرهاب بالمنيا.. عدم إدارج كنيسة الأنبا موسى التى أحرقت ودمرت بالكامل بالمرحلة الثانية وأيضا عدم إدراج مؤسستين تابعتين للكنيسة مبنى خدمات وملجأ ونادى الشبان المسيحيين، وظهرت المرحلة الثانية هزيلة للغاية، رغم أنها الأقل فى التكلفة عن المرحلة الأولى. إن محافظة المنيا تمثل 65 فى المائة من إجمالى الخسائر التى وقعت فى 14 أغسطس2013، وأن تراجع الدولة عن وضع الكنيسة فى المرحلة الثانية بحجة إن الإمكانيات لا تسمح تسببت فى استياء الأقباط، وكأنهم يخدعونهم، مؤكدا ثقته فى قيادات القوات المسلحة لإعادة النظر فى وضع الكنائس ضمن المرحلة الثانية وتنفيذ وعودهم بإعادة الإعمار بعد الانتهاء من المرحلة الأولى، التى لم تحصل الكنيسة فيها على التكلفة المالية التى وفرتها للشركة مقابل استردادها من الدولة، والتى ردت المبالغ المالية على أقساط وبصعوبة ولم تسدد المبالغ كاملة حتى الآن، ونحن نقدر دور الدولة والمسئولية عليها كبيرة، ولكننا نناشدها وضع كنيسة الأنبا موسى فى المرحلة الثانية».
البابا تواضروس بين تقاعس الأجهزة وتشدد النخب القبطية:
كل ذلك لم يثن قداسة البابا تواضروس عن وطنيته، حينما قال: «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن»، أو حينما وافق الدولة على شق طريق وادى الريان وقدم المصلحة الوطنية على مصلحة الدير، لكن ذلك لم يرض النخب القبطية التى رفض أغلبها مواقف قداسة البابا، مستثمرين تقاعس بعض الأجهزة وتواطئ البعض الآخر منها، خاصة فى قرى وسط الصعيد (بنى سويف والمنيا والفيوم)، واعتبرت تلك النخب أن الفرصة سانحة لاستعادة مكانتها التى ضاعت بعد ثورة 25 يناير وانتزاع الشباب الجدد مثل اتحاد شباب ماسبيرو لقيادة الحركات القبطية، والتى كانت فى المهجر قبل 25 يناير.. وكانت تدر مكانة طائفية ومالية على أغلب تلك النخب، وفى نفس الوقت ترتكز مؤسسة الرئاسة على تقارير الأجهزة المحلية التى غالبًا ما ترسل رسائل الاطمئنان والتهوين فيما يحدث، بل وبعضها متواطئ، والأحزاب السياسية المنوط بها استقطاب الأقباط عجزت عن ذلك واستقالت معظم النخب القبطية منها، ولجأت للنخب المتشددة والعمل «الطائفى»، الأمر الذى ينبئ بمخاطر سوف تظهر فى التصويت «القبطى» فى انتخابات مجلس النواب القادمة.
ألا قد بلغت.. اللهم فاشهد
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف