خلال فترة دراستنا بالجامعة جمعتني جلسة فى منزل صديق بإحدى القرى حضر على هامشها قريبا له، قالوا إنه ظل فى مستشفى الأمراض العقلية حوالي 25 سنة، فوجئ أهله بعد ربع قرن بالنقطة(نقطة الشرطة) تطالبهم بالحضور لاستلامه، دخل المستشفى بعد تخرجه من كلية الهندسة، وقيل إنه كان يعانى من فوبيا الفئران.
فوجئنا خلال الجلسة، وكانت فى عز الليل، بقريب صديقنا يقف مذعورا، يرفع قدميه من الأرض، يقفز فوق الكنبة(كنبة بلدى) ينفض جلبابه، يرفع ياقة الجلباب، يحكم إغلاق أزرار الجلباب، يتمتم ويقول:
ــ أوعى الفيران
دب الرعب فى الغرفة، قفزنا جميعا فوق الكنب والكراسي، كأن الأرض أصبحت مسرحا للفئران، بفزع قلدناه، نقفز فى الهواء، نصعد فوق الكنب والكراسى، ننفض فى البناطيل، نمسك بياقات القمصان، ونصرخ مثله تماما: أوعى الفيران، رددناها عدة مرات حتى انتبهنا لما نفعله وفطسنا من الضحك، وقام صديقنا بضرب قريبه بتاع الفئران، ودفعه نحو باب الحجرة وهو يسبه ضاحكا: اطلع بره يا ابن الكلب.
أثناء العزوبية سكنت فى شقة دور أرضى فى حى نصرالدين بالهرم، فوجئت في أحد الأيام بفأر يتجول دون خشي فى الشقة، الكلب ابن الكلب أدخل الرعب فى قلبى، بصراحة أنا بخاف منهم جدا، وكنت أبرر خوفى هذا بكل كبرياء وعنطظة بأننى فقط أقرف(من القرف) من قتله، يومها كنت أنا وهو فقط فى الشقة، ماذا أفعل؟، دى ليله سودة، لو نمت واستيقظت عليه يمرق فوق وجهى أو يقرقض فى صوابع رجلى، أو يأكل ودانى، الكارثة لو دخل جوه البنطلون أو جاكت البيجاما، أه، ساعتها هموت بأزمة قلبية.
ربطت بنطلون البيجاما بخيط على رجلى، وكذلك أكمام الجاكته على يدى لكى لا يدخل منها إلى جسدى، أحكمت أزرار جاكتة البيجاما، وأمسكت بقطعة خشبية كبيرة، المصيبة أن ابن الكلب الجبان ظهر لى وأنا بمفردى، والمصيبة الأكبر أن يظهر مساء قبل النوم، يعنى بعون الله الليلة صباحي، من خوفى صعدت فوق ترابيزة السفرة، وجلست ألتفت يمينا ويسارا شاهرا العصى كالسيف، مع اننى أثق تماما فى أن فزعى منه لن يسعفنى فى ضربه بالعصا.
ميمى أخويا الأصغر رحمة الله عليه، (اسمه عادل، وكنا نناديه ميمى، لماذا؟، لا أذكر)، كنا نلعب فى مدخل العمارة، اندفعت الكرة إلى المسقط، كان مليئا بالكراكيب، مد يده يلتقط الكرة، رفعها إلى أعلى لكى يرميها، تحركت فى يده، بص لفوق: فار، فار ، صرخ بأعلى صوته، جريت من الرعب إلى الشارع ووقفت على الرصيف المواجه، بعد لحظات خرج ميمى ووجهه تقول لمونة.
لن أخفى عليكم، مع ان عمرى قد تجاوز منتصف الخمسينات، مازلت حتى اليوم أخشى ترك شباك الحجرة، ونحن فى الطابق الثالث، مفتوحا خلال فترة الليل، ربما تسلق أحد الفئران الحائط، ودخل من الشباك، ساعتها سوف استيقظ مفزوعا وأصرخ وأجرى فى الشقة، طيب قولوا لى: منظري هيبقى أيه أمام العيال؟.
استدراك: سبق وصارحت زوجتي وأولادي بخوفي من الفئران، كما أنني حكيت لهم جميع الوقائع التى ذكرتها عن مرحلتي الطفولة والجامعة، وبالمناسبة أولادي وزوجتى يخافون من الفئران مثلى تماما، انتهى الكلام.