محمد بغدادى
انتخابات النقابة.. وشرف الخصومة
ها نحن أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من الانتخابات المرتقبة لاختيار نقيب الصحفيين وأعضاء المجلس.. وعلى مدى أربعين عاما شهدت وتابعت فيها مراحل متعددة من عمر نقابتنا العريقة.. خاض خلالها عشرات النقباء ومئات من المرشحين معارك انتخابية ضارية.. ومتنوعة.. ومختلفة فى انحيازات مرشحيها لتيارات سياسية متباينة.. وطوال تلك الفترة لم أفكر يوما فى تناول المسألة الانتخابية فى مقالاتى.. وكثيرًا ما كانت تحدث بعض المناوشات و(التربيطات).. ولكنها كانت فى حدود المسموح به فى مثل هذه الانتخابات.. ولكن لأول مرة فى تاريخ انتخابات الصحفيين يحدث ما نراه الآن.. من شراسة الهجوم على النقيب الذى انتهت مدة ولايته وهو الزميل يحيى قلاش.. والمرشح الحالي.. ولم يحدث فى تاريخ النقابة أن تلقى مثل هذه التهم هكذا جزافا بشكل تجاوز كل الخطوط الحمراء.. وكان يجب مراعاة شرف الخصومة.. وتوخى المنافسة الشريفة بين المرشحين والتحلى بآداب الحوار.. وهى سمات أقرها ميثاق الشرف الصحفى فى انتقادنا لأى مسئول.. فما بالنا لا نراعيها فيما بيننا نحن جماعة الصحفيين فى معركة انتخابية قد تدوم لساعات.. لنعود جميعا بعدها إلى مكاتبنا.. نمارس مهمتنا المقدسة كحملة لأمانة القلم.. ورسالة البحث عن الحقيقة.. فلماذا يتدنى أسلوب التنافس إلى هذا الدرك الأسفل من انعدام القيم!
وحتى فى فترة ما قبل يناير 2011 كان كل النقابات يعانى من حالة استقطاب حاد من جماعة الإسلام السياسى ممثلا فى جماعة الإخوان.. وكان الصراع على أشده بين مرشحى الحكومة والإخوان.. واليسار والمستقلين.. ولم يحدث ما يحدث الان وبمثل هذه الفجاجة.. فتارة ما كان ينحاز غالبية الجماعة الصحفية لمرشح الحكومة باعتباره هو الأكثر قدرة على الحصول على امتيازات للصحفيين.. وكانت الحكومة تستخدم نظرية سيف المعز وذهبه.. وكثيرا ما كانت الحكومة تقطر على الصحفيين وتمسك يدها.. عقابا لهم لأنهم لم يختاروا مرشح الحكومة.. وللأسف كثيرا ما كان كثير من الصحفيين ينصاعون لرغبات الحكومة طمعا فى بعض الفتات الذى كانت تلقى به الحكومة للصحفيين.. وهذا ما جرد معظم النقابات من حقوقها المشروعة.. وأبعدها كثيرا عن دورها المهنى.. وأضعف قدرتها على أن تلعب دورًا سياسيًا واجتماعيًا رشيدًا ومؤثرًا.. يصب فى صالح الوطن والمواطن.. والمهنة وأصحابها.. ما أدى لتفتت النقابات.. وتشرذمها وعانت كثيرا من الانقسامات ووضعت بعضها تحت الحراسة.. لأنه كان يعانى من غياب الشرعية.. وهذا ماتسعى إليه بعض القوى لإعادتنا مرة أخرى.. لنعيش من جديد هذا الوضع المذرى الذى كنا نعتقد أنه انتهى بعد ثورتين قدم فيهما الشعب المصرى تضحيات كبيرة .. وما زال يقدم المزيد من الأرواح والدماء والشهداء حتى الآن.
فما أحوجنا الآن لتكون لنا نقابات مستقلة تتمتع بقدرة فاعلة على اتخاذ ما تراه فى صالح أعضائها.. وأعتقد أن الزميل يحيى قلاش قد بدأ خلال الدورة السابقة فى إنجاز جزء كبير من هذه المهام.. وهذا ليس انحيازا سياسيا أعمى.. بغض النظر عن النتيجة النهائية التى ستأتى بها صناديق الانتخابات.. ولكننى أتحدث عن شرف الخصومة.. وشكل المنافسة الشريفة بين أطراف المعركة الانتخابية.. ولأن يحيى قلاش أيضا محسوب على تيار الاستقلال النقابى الذى أتحدث عنه.. فما حققه عبر استقلال النقابة أضعاف ما كان يعدنا به مرشحو ما قبل الثورة.. وليس من اللائق أن يتاجر بعض الخصوم بالقضية التى لم يصدر فيها حكم نهائى حتى الآن بغض النظر عن ملابساتها وتفاصيلها الملتبسة.. ولكن عندما زارنا كل المرشحين لمنصب النقيب فى روزاليوسف والتقينا معهم وتحاورنا معهم.. لم يقدم لى أى مرشح منهم غير الوعود المرسلة التى تنهمر علينا من كل المرشحين.. وفى نهاية الأمر لم أجد فى يدى بعد كل هذه اللقاءات سوى برنامج يحيى قلاش بعنوان (بدأنا وهنكمل) وما جاء به من أشياء جيدة تحققت ولم يحسن الإعلان عنها.. أذكر منها بندا واحدا فقط.. وهو إصلاح الخلل فى ميزانية النقابة بتدبير 62 مليون جنيه من عدة مصادر فى مقدمتها (دعم غير مسبوق للدولة) حسب ما جاء بالبرنامج.. إذن النقابة المستقلة كمؤسسة أهلية ومهنية يمكن أن تفعل الكثير حينما لا تتعامل معها الدولة كؤسسة حكومية خاضعة لسلطانها.. والبرنامج مزدحم بالإنجازات.. وأنا هنا أتحدث عن شرف الخصومة.. والمنافسة الشريفة لإتاحة الفرصة لظهور الأكفأ وحفاظا على استقلالية النقابة.