انتهت أزمة الخبز والكارت الذهبي. وتخبط وزارة التموين. وبقيت منها العبرة والحكمة التي تقول إن من أفسد الماضي لا يمكنه إصلاح المستقبل.. وأن من يصر علي تطبيق السياسات الفاسدة. لا يمكن أن ينتظر غير النتائج الفاسدة.. ولو أن الأشخاص الذين عادوا إلي مواقعهم كانوا ناجحين. وكانت سياستهم ناجحة ومقبولة شعبياً. لما قامت في وجوههم موجات احتجاج واسعة. انتهت إلي ثورة شعبية عارمة.
من حقك أن تنظر إلي 25 يناير من الزاوية التي تريدها. وتستريح إليها.. ومن حقك أن تصفها بما تشاء حسب قناعاتك وانحيازاتك.. لكن مهما كان رأيك فإنك لا يمكن أن تنكر أن هذه الثورة ـ أو المؤامرة ـ سبقتها موجات احتجاج شعبية واعتصامات عديدة في الشوارع والميادين ضد السياسات التي اتبعتها حكومات مبارك. وأوصلت البلد إلي طريق مسدود سياسياً واقتصادياً.
علي المستوي السياسي لم تكن هناك منافسة حقيقية.. ماتت الأحزاب. وتمت مصادرة العمل العام لصالح الحزب الوطني وحده.. لم يعد هناك صوت يوازيه.. ولم تعد هناك معارضة فاعلة.. بينما تتسارع خطي عملية التوريث ومحاربة منظمات المجتمع المدني. وحصار النقابات لتطويعها وتقييد حركتها.. وانتهي الأمر بتزوير الانتخابات البرلمانية بشكل فج وغير مسبوق.
علي المستوي الاقتصادي كانت الخصخصة قد بلغت ذروتها.. وتحولت فعلياً إلي مهرجان لبيع الأصول والقطاع العام. وتدمير الشركات والمؤسسات الناجحة. وتوقف الماكينات عن الإنتاج وإغلاق المصانع الصغيرة بسبب عدم ضخ أي استثمارات جديدة. مما أدخلها في دوامة الخسائر والاستنزاف.. وصاحب ذلك تشريد ملايين من العمال والموظفين الذين انضموا إلي جيش العاطلين عن العمل.
كان من نتيجة ذلك كله ارتفاع معدلات الفساد. وتزايد المظالم. وانتشار الرشوة والمحسوبية. واضطراب الأسعار. وانعدام العدالة الاجتماعية. مما أثار الغضب في نفوس فئات عديدة من الشعب. بينما أبواق النظام كانت تتغني بالإنجازات الوهمية والحرية والديمقراطية والرفاهية التي ستأتي قريباً.
المهم الآن أن الأشخاص والسياسات التي أوصلت البلد إلي مصير بائس. انتهي إلي محطة الثورة عليهم. لا يمكن أن أتصور أن يتحولوا بقدرة قادر إلي حكماء. وخبراء.ومستشارين لتحقيق النهضة المنتظرة.. فقد جربناهم من قبل. وحصلوا علي فرصتهم كاملة. وأثبتوا فشلهم.. وكان من الواجب البحث عن وجوه جديدة. وسياسات جديدة. وفكر جديد يقود المرحلة الحالية حتي لا نكرر أخطاء الماضي ونصل إلي نفس النتيجة التي وصلوا إليها.
يكفي هؤلاء أنهم لم يحاسبوا علي فشلهم السياسي والاقتصادي طوال السنوات الماضية.. فقد انحصرت المحاكمات في مسئولية قتل المتظاهرين خلال 18 يوماً فقط. هي أيام الثورة وفعالياتها.. ولم يحاكم أحد علي فشل السياسات التي استمرت أكثر من 30 عاماً. خشية أن تتحول المحاكمات السياسية إلي عملية انتقام تسيء إلي الثورة البيضاء.
لكن المشكلة أن غياب المساءلة السياسية سمح للماضي بأن يعيد إنتاج نفسه.. وينفض يده من أوزار عصر مبارك. ويغسل سمعته.. لكي يقدم أوراق اعتماده للحاضر.. مرتدياً مسوح البراءة. ومدعياً الحكمة والخبرة.. وسرعان ما اصطدم هذا الماضي بالواقع مرة أخري. فأحدث أزمات متتالية.
هل تتذكرون أزمة أسعار الدواء وألبان الأطفال ووقف استيراد قمح الأرجوت. ثم السماح باستيراده وإلغاء الجمارك علي واردات الدجاج المجمدة. ثم وقف الإلغاء والعودة إلي الاستدانة واستسهال الضرائب؟!!
إن الذين أفضت سياساتهم إلي إسقاط النظام كله لا يليق بهم أن يعطوا دروساً في سبيل تجاوز الأزمة الاقتصادية.. ولا أن يطرحوا أنفسهم كخبراء مجربين.. ناهيك عن أن يكونوا وزراء بيدهم سلطة القرار فنقع بهم ومعهم في نفس الحفرة.. ونُلدَغ من نفس الجحر مرتين.