عنوان هذا المقال يشى بأن ثمة أمراً جديرا بالتحليل وهو خاص بما فعلته «الأصولية الاسلامية» وأعلنت عنه بالوكالة «داعش» والتى هى فى أصلها فرع من فروع الحركة الأصلية المسماة «الاخوان المسلمون» والتى تستند إلى فكر الفقيه الاسلامى ابن تيمية من القرن الثالث عشر والذى ينص على إبطال إعمال العقل فى النص الدينى والالتزام بحرفية هذا النص مع تكفير كل مَنْ يقف ضد هذا الالتزام وقتله إذا واصل العناد.
والسؤال بعد ذلك: ما هو هذا الأمر الذى يشى به عنوان هذا المقال؟
وأجيب بسؤال: ما الذى تريد أن تقوله المذبحة التى حدثت فى العريش عندما ذُبح سبعة من المسيحيين من قِبل تنظيم «بيت المقدس» والذى أدى فى اليوم التالى إلى هجرة ما يقرب من مائة أسرة مسيحية إلى الاسماعيلية، وهجرة مائتى طالب مسيحى إلى محافظاتهم خوفا على حياتهم. وهذا ما نشرته جريدة «المصرى اليوم» فى 25/2/2017.
إنها تريد القول إن ما حدث فى العريش مجرد «بروفة» للخلافة الاسلامية القادمة ليس فقط فى تلك المدينة إنما أيضا فى جميع مدن كوكب الأرض، ومن ثم تصبح الخلافة كوكبية بحكم قدرتها على استثمار الوسائل الالكترونية المنبثقة عن ظاهرة الكوكبية التى هى من إفراز الثورة العلمية والتكنولوجية. إلا أن مغزى هذا الاستثمار يفضى بالضرورة إلى تدمير الأصولية الاسلامية للحضارة الإنسانية. وإذا كان هذا التدمير يعنى موت الحضارة فهل مولد الحضارة ينطوى بالضرورة على موتها بتدخل من الأصولية الاسلامية. قد تبدو هذه العبارة صادمة إلا أن هذه الصدمة يمكن أن تزول إذا قرأنا كتاب فرويد المعنون «الحضارة وبؤسها»، إذ ارتأى أن الصراع فى عمقه هو الصراع بين الثاناتوس، أى الموت والإيروس أى الحب الذى هو الحياة. وفى ختام كتابه يقول فرويد «إن السؤال المحورى الذى ينشغل به الجنس البشرى هو على النحو الآتى: إلى أى حد يمكن للتطور الثقافى أن يكون متحكماً فى غريزة الموت، أى فى تدمير الذات؟ وجوابه أن غريزة الحب أو الحياة ستبذل قصارى جهدها فى تأكيد ذاتها فى صراعها مع عدوها الأبدى «الثاناتوس». ولا أحد فى إمكانه التنبؤ بانتصار أى منهما. والمفارقة هنا أن على شريعاتى منظَر الثورة الايرانية الأصولية قد ارتأى فى كتابه المعنون «علم الاجتماع الاسلامى» أن فرويد لم يكن على صواب عندما اكتفى بالعامل الجنسى أساساً للصراع فثمة عامل أعمق من ذلك وهو الصراع الذى نشأ منذ بداية الخليقة بين قابيل وهابيل حيث الأول قتل الثانى مع أنهما ابنا آدم وحواء إلا أن الأول يرمز إلى دين التوحيد والثانى إلى دين الشرك والغلبة لدين التوحيد وذلك بفضل المسلم الشهيد الذى يستدعى الموت دون أن ينتظره، أو بالأدق بفضل تحويل المسلم إلى قنبلة انتحارية تنفجر فيه وفى غيره من البشر الذين يعتبرهم أعداء الله.
غير أن اللافت للانتباه هاهنا ويستحق التنويه أن الدعوة إلى تطوير كليات التربية جاءت تالية لمذبحة العريش. فقد نشرت جريدة الأهرام بتاريخ 5/3/2017 أن وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى قد صرح بأن «ورشة عمل تنظمها وحدة التخطيط الاستراتيجى بالوزارة بالتعاون مع لجنة القطاع التربوى بالمجلس الأعلى للجامعات والجامعة الأمريكية بالقاهرة لتطوير كليات التربية». وكذلك صرح وزير التعليم العالى والبحث العلمى الدكتور خالد عبد الغفار بأن «كليات التربية هى الفاعل الرئيسى فى منظومة التطوير. وأى محاولة لإصلاح التعليم فى مصر لابد أن تبدأ وتنتهى عندها». ثم أضاف قائلاً: إن ثمة ضرورة لتأسيس فلسفة متطورة لاعداد كوادر أعضاء هيئة التدريس بكليات التربية والبالغ عددها 27 كلية على مستوى الجامعات الحكومية المصرية يدرس بها 200,000 طالب. وفى السياق نفسه قام الوزيران بالالتقاء مع رئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر نصار لزيارة المكتبة المركزية حيث استمعا إلى شرح مفصل لمبادرة الجامعة التى أطلقتها للطلاب والتى أوجزها فى ثلاثة ألفاظ «اقرأ – استمتع- تثقف».
واللافت للانتباه أيضا ويستحق التنويه أن عميد كلية التربية بجامعة عين شمس الدكتور سعيد خليل كان قد تحدث فى جلسة مجلس الكلية بتاريخ 13/2/2017 عن أن ثمة فساداً أكاديمياً شائعاً فى الكلية ثم شكلَ لجنة لمكافحة هذا الفساد برئاسة كاتب هذا المقال.
والرأى عندى أن العامل المحورى فى هذا الفساد مردود إلى ما أُطلق عليه «الكتاب الجامعى» أو «الكتاب المقرر» الذى يبيعه الأستاذ لطلابه لكى يلتزموا بما جاء فيه من آراء. ومن هنا تكون السلطة العلمية لكتاب الأستاذ وليس لسلطة العلم الأمر الذى من شأنه خضوع الطالب لهذا النوع من السلطة، ومن ثم يبطل إعمال العقل الناقد وما يلزم عنه من توليد عقل مبدع. والأستاذ، فى هذه الحالة، تغريه عملية البحث عن طرق غير مشروعة لإجبار الطالب على شراء كتابه.
والنتيجة الحتمية بعد ذلك محاصرة الطالب بثقافة الذاكرة دون ثقافة الإبداع. ومع الانتهاء إلى هذه النتيجة تتوارى رسالة الجامعة. وإذا كان ذلك كذلك فإلغاء الكتاب الجامعى أمر حتمى.
والسؤال إذن:ما البديل؟
البديل هو الحوار الذى يجريه الأستاذ مع طلابه حول قضايا معينة يختارها الأستاذ مع ارشادهم إلى المراجع التى تتناول هذه القضايا. ومن هنا يلزم التعاون بين إدارة المكتبة والأساتذة لإنجاز هذه المهمة، وتكون الغاية من الحوار تدريب الطلاب على كيفية تكوين أفكار واضحة فى معناها مع محاولة الربط منطقياً بين هذه الأفكار. ومن هنا تكمن بدايات الإبداع فى تكوين معرفة تتجاوز المعلومات.
والسؤال بعد ذلك: هل ثمة علاقة عضوية بين مذبحة العريش وضرورة تطوير كليات التربية؟