عبد الجليل الشرنوبى
الإنجليز يجددون البيعة للإخوان!
صباح الأحد الموافق الخامس من مارس 2017م، فاجأت العالم صحيفة (الحياة) اللندنية الإصدار، بنشر تقرير موسع حمل عنواناً (طريق الإخوان المسلمين فى المشرق من التبشير والدعوة إلى الفريضة الغائبة)، ويقود فى فحواه إلى نتيجة نهائية هى (تنظيم الإخوان غير عنيف فى أصله، ويتطور عنفه أحياناً كرد فعل)!.
ولكل مطالع متخصص يمثل التقرير علامة استفهام كبيرة تدور حول فلك من التساؤلات عن مغزى رسائل التقرير ودلالات توقيت النشر، لكن تتابع الأحداث على أرض الإنجليز لم يطل عمر علامة الاستفهام، فسرعان ما تبيَّن أن ما طرحته الصحيفة لم يكن سوى «تتر البداية» لفيلم انجليزى جديد ضمن سلسلة أفلام (أنجلو إخوان)، بينما يلعب بطولة الجزء الجديد من السلسلة (البرلمان البريطاني) وتحديداً (لجنة الشئون الخارجية) ورئيسها النائب (كريسبين بلانت)، ويتقاسم أدوار البطولة الثانية كل من (وزارة الخارجية – الحكومة البريطانية). فبعد أربع وعشرين ساعة من نشر التقرير، وتحديداً صباح الاثنين 6 مارس 2017، أعلنت لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان البريطانى نتائج نهائية لعملية تقييم برلمانى لتنظيم الإخوان، خلص إلى أسس محددة هى (نواب البرلمان، يعتبرون أن جماعة الإخوان المسلمين المصرية هى فى الأساس جماعة لا عنفية -الإخوان جدار حماية فى وجه التطرف العنيف -معظم الإسلاميين السياسيين لا يمارسون العنف، وإنما هم أنفسهم ضحايا العنف - ينبغى على السلطات الإنجليزية التواصل والتفاهم مع الإخوان، سواء كانوا فى السلطة أم فى المعارضة). وبصفة شخصية صرفة كان كاتب هذه السطور فى حالة انتظار لهذا الجزء من سلسلة الأفلام الإنجليزية القديمة النشأة والمتجددة المعالجة، والتى تمثل فيها العلاقة بين الدولة الإنجليزية والتنظيم الإخوانى مادة خصبة لتصاعد الأحداث بشكل يثرى الشاشة ويكسر كل رتابة المشاهدة، ولكى نكون أكثر تحديداً فإن هذه العلاقة قابلة للاستثمار بكل أشكال الدراما بصورة تتجاوز قدرة جميع منتجى السينما على استثمار شخصية «اللمبي»! قبل نحو عامين كان السير جون جينكينز السفير السابق للملكة المتحدة فى السعودية، قد انتهى من تحقيق أجراه حول الإخوان وأعلن رئيس الوزراء السابق «كاميرون» عن نتائجه فى ديسمبر 2015م، وكان على رأسها (اتهام تنظيم الإخوان بـ تنفيذ أعمال عنف ارتكبها مؤيدوه تأكيد على أن الحكومة الإنجليزية ستواصل دراستها واتخاذ الإجراءات المناسبة بحق الإخوان -استمرار متابعة وتدقيق إذا ما كانت آراء ونشاطات الإخوان تتسق مع القانون البريطانى - تشديد الإجراءات الأمنية ومتابعة الإخوان والأفراد والجماعات المرتبطة بهم سواء فى بريطانيا أو خارجها)، وخرج «جينكينز» رئيس لجنة التحقيق بقناعة شخصية تعتبر (جماعة الإخوان المسلمين قناة إخبارية يعبر من خلالها متطرفو القاعدة). لكن طرح فيلم «لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان الانجليزى» فى هذه المرحلة، يزيل الستار عن الملامح الأصيلة للعلاقة بين التاج البريطانى والتنظيم العجوز، تلك العلاقة التى بدأها علناً بحسب رواية مؤسس تنظيم الإخوان «حسن البنا» فى كتابة (مذكرات الدعوة والداعية)، كل من البارون دى بنوا، مدير شركة القنال ومعه سكرتيره المسيو بلوم، فى أثناء إنشاء المركز العام الأول للتنظيم عام 1928، والذى كان يضم (مسجدا – مدرسة – مقر التنظيم) وانتهت وقتها بأن قدم البنا إلى البارون (رسماً ومذكرة للمشروع)، بينما تبرع الأخير بمبلغ (خمسمائة جنيه مصرى للمشروع). ووفق رواية البنا عن الحدث يمكن استنتاج أن المملكة المتحدة كانت شريكة فى تأسيس أول مقر للتنظيم، ورغم الشك فى أسلوب دعوة البنا للقاء البارون الانجليزي، حيث كان واحداً من الشخصيات النافذة فى إدارة الاحتلال الانجليزى لمصر، لكن –حتى وإن صحت الرواية- فإنها تشير إلى حرص الإدارة الانجليزية على الحضور فى المشهد التنظيمى منذ لحظة ميلاده. منذ ذلك الحين لم تنقطع علاقة الانجليز والإخوان، تماماً كما لم يغادر حلم التمكين ألباب قادة التنظيم، وهو ما تدركه جيداً الإدارات الإنجليزية المتعاقبة، ولهذا لا وجه للدهشة حين تنص النتائج النهائية لتقرير (لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان البريطاني) على الآتى (ينبغى على وزارة الخارجية البريطانية أن ترى فى براجماتية بعض الأحزاب الإسلامية السياسية فرصة لـلتواصل والحوار معها, وللتأثير فى رؤيتها الحالية، بالإضافة إلى الأخذ بالاعتبار نواياها المستقبلية)، وهو ما يعنى أن البرلمان البريطانى يوصى وزارة الخارجية باستثمار براجماتية الإخوان عبر التواصل معهم بهدف تأثير بريطانيا على خطط التنظيم الحالية بما يخدم المصالح البريطانية طبعاً، والإلمام بخطوات التنظيم المستقبلية حتى لا يفلت زمام استخدامه من الأيادى البريطانية فيستثمره غيرهم استناداً على براجماتية التنظيم!. إن العالم يا سادة على أعتاب إقرار خريطة جديدة تشارك فى رسمها الإدارة الانجليزية، ومن يصدمه تصرف البرلمان البريطانى عليه أن يراجع التاريخ ليتأكد من أن صدمته نابعة من عدم قراءته له، فبريطانيا بايعت التنظيم كعضو فى الهيئة التأسيسية له مع البنا ودفعت الاشتراك، وبالتالى فعلى الدولة استيعاب حجم الخصم الذى تواجهه، حتى لا يعترى مسئوليها أى اندهاش عندما يستيقظون على تقرير تجديد الإدارة الإنجليزية بيعتها الإخوانية.