الوطن
طارق عباس
الصحافة بين «حِجر السلطة» و«المعارضة المدفوعة»
من يدفع ثمناً حقيقياً للشىء يفكر ألف مرة قبل اختياره، لكن من يعرف أن الثمن عبارة عن تمثيلية رخيصة سيلعب فيها دور البطولة، فلِمَ لا يفكر ويلقى بنفسه فى هذه النقطة الشاغرة من الضوء، خاصة فى ظل تخبط واضح فى وسائل الإعلام، التى أصبح بعضها لا يعرف الفرق بين الغث والسمين، بين ما هو نافع وما لا يتجاوز فقاعة هواء لا تحتاج إلى أى جهد فى الاختفاء من الوجود فى لمحة من البصر.

الحقيقة أن الباحثين عن المكاسب من المنتسبين للصحافة والإعلام، يحجزون أماكنهم فى المجتمعات منذ قديم الأزل، والملتفون حول كل الموائد، لن يختفوا بين يوم وليلة، وهى نماذج تكاد تُذكر أسماؤها كلما ذكر النفاق والتلون، إلا أن المتطوعين الجدد لتلك المهنة العابرة للقارات أصبحوا يسيئون للسلطة نفسها، فإن صدَّقهم شخص فيقابله ألف من اللاعنين، ممن يعلمون أنهم منافقون كاذبون ولا يبغون إلا وجه الحاكم والشهرة والمال، وربما المصالح الشخصية بالتقرب من السلطة أو ادعاء الوصول السريع للمسئولين.

والأخطر من هؤلاء، هم الفئة التى تعارض من أجل المعارضة، تنتقى فقط الإحباط واليأس والنكد لتوصيله للناس «ديليفرى» إلى منازلهم، يقفزون إلى عقولهم بأخبار سوداء، وتحليلات قاتمة، واستشراف بائس لمستقبل يصفونه دائماً بالمظلم، هؤلاء يلفتون النظر إلى أنفسهم فى الحقيقة وليس إلى الصالح العام، ولا الخوف على مستقبل الوطن، ففى كل الأحوال لا بأس أن نعرض الأخبار السيئة والمحزنة لأنه جزء من دور الصحافة، وجانب مسلم به من القاعدة الإعلامية التى تقول إن الصحافة يجب أن تقف إلى يسار السلطة وتكون رقيباً عليها، لكن هؤلاء يقفون إلى يسار المواطن والوطن، يؤججون المشاعر ويقذفون مزيداً من الزيت على النار.

هذه الشريحة من الإعلاميين أو الصحفيين معروفون بالاسم واللقب والسمعة والطلة، ويعملون فى خطين متوازيين، أحدهما تسويد حياة المواطن كشاشة قناة قُطع عنها البث، والخط الثانى والأهم لهم، هو الظهور أمام الناس بهذا الدور، يبحثون دائماً عن دور الشجاعة والبطولة، يمثلون دور فارس يحارب طواحين الهواء، ويقفون فى وجه أشباح تطاردهم ويرونها هم وحدهم، لكنها فى الحقيقة من صنعهم حتى تكتمل الصورة، ويكتمل معها بث الاعتقاد بأنهم يتعرضون للظلم والبطش ويدفعون ثمن المعارضة اللئيمة.

ينتظر هؤلاء بلاغاً من هنا، أو دعوى قضائية من هناك، تصريح غير مسئول من مسئول يحاول استعمال حق الرد، يتصنعون أزمات لأنفسهم ويروجون لها، ويحلمون باليوم الذى يقفون فيه أمام النيابات أو المحاكم، لتتصدر أسماؤهم عناوين الأخبار، وتملأ سيرتهم ساعات الهواء على قنوات الفضائيات فى المساء والسهرة، لكنهم فى الكواليس لا يألون جهداً فى مجاملة مسئول أو التقرب من أصحاب القرار، ولا يستحيون من ظهور تلك العلاقات المريبة فى المستقبل، لأن الهدف قد تحقق، والرد جاهز دائماً بالنفى.

أما الفئة الأشد فتنة وخطورة، فهى فئة المعارضة الجاهلة، التى تتلقف أخباراً مُجهّلة المصادر أو مفبركة ومصنوعة، أو حتى مؤلفة لتأجيج الفتنة، لا يستبعدون أى جملة منشورة على مواقع التواصل الاجتماعى، أو شائعة مصدرها أعداء الوطن والمتربصون به، ينفخون فيها كبالون لا تراه دون ملئه بهواء ملوث، وينشرونها جهد أيمانهم مبررين ومعللين ومحللين تحليلات لا ترقى لتلاميذ المرحلة الابتدائية ثقافة وعلماً ودراية ومنطقاً.

وللأسف فالسواد الأعظم مما سبق، يحملون المعاول ويجتهدون فى الهدم فى طريقهم لتحقيق مصالحهم، إلا قليلين ممن يصنعون الحلول باحترافية وعلم، ويقترحون وسائل الإنقاذ والنجاة، يعملون لله وللوطن، لا تهمهم أضواء شهرة، ولا تشغلهم علاقات مشبوهة بأصحاب القرار والأموال، هؤلاء يحتاجون عدسة مكبرة لتراهم، تنقب عنهم بالساعات، لتستفيد من الفكر والتجارب والتحليلات المنطقية، ولو أراد هذا الوطن الارتقاء والنهوض، فإن هؤلاء يجب أن يتقدموا للصفوف الأولى، لكن هذا الأمر لا يشغل بال الدولة ومؤسساتها، وبالطبع لن يشغل بال أصحاب المصالح والمنتفعين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف