الوطن
د. محمود خليل
سكة سفر «أردوغان»!
أجد فى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان شخصية شديدة الإثارة والغرابة. فعلى مدار تجربته كرئيس لوزراء تركيا قدم واحدة من التجارب التنموية الناجحة على المستويين السياسى والاقتصادى، حين كان يؤمن بفكرة المؤسسة، ويعمل بمنطق الفريق وليس نظرية «الرجل الوحيد»، إلى جواره لمعت أسماء كان لها دور محسوس فى إنجاح التجربة، مثل عبدالله غول وأحمد داود أوغلو. مشكلة هذا الرجل أنه لم يكتف بما حققه، بل بادر إلى طلب المزيد، فرشح نفسه رئيساً للجمهورية، حين لم يتح له الدستور التركى الترشح لمنصب رئيس الوزراء، ونجح فى الوصول إلى المنصب، ليبدأ منذئذ -من وجهة نظرى- رحلة اهتزاز ملحوظة، وهى رحلة تنطوى على مجموعة من الدروس التى يمكن أن يستفيد منها غيره.

أول الدروس التى يصح الاستفادة منها فى تجربة اهتزاز أوضاع «أردوغان» تتعلق بتصميمه على تغيير الدستور، ليكرس فكرة «الرجل الأوحد». الأمر الواقع يقول إن كل سلطات صناعة القرار فى تركيا تقع فى يد «أردوغان»، وأنه ليس بحاجة إلى تعديل الدستور ولا يحزنون، فكل السلطات التركية تخضع لقراره، ووسائل الإعلام تعمل فى خدمته، ومؤسسات الدولة التركية تؤدى طبقاً لتوجهاته. وقد أثبت مشهد ما بعد المحاولة الفاشلة للانقلاب العسكرى عليه أنه آمر ناهٍ فى البلاد، فحشر عشرات الألوف فى السجون، واستبعد أمثال هذا العدد وأكثر من وظائفهم. كل ما أراده أردوغان فعله، ولم يستطع أحد إرجاعه، الأمر الذى يعنى أن السلطة كاملة فى قبضة يده.. فما الداعى لتعديل الدستور، وما الدافع إلى إرسال وزرائه إلى أوروبا كى يقودوا مظاهرات تعديل الدستور ليمنحه صلاحيات هى فى يده فعلياً؟. إنها الرغبة فى تكريس فكرة «الرجل الواحد»، ومحاولة ساذجة لتجميل وجهه أمام الشعوب الأخرى، من خلال مسيرات يقودها وزراء بدرجة «نشطاء سياسيين»، لتؤكد للعالم أن تلك إرادة الشعب التركى!. «الديكتاتورية المدسترة» هى أولى خطوات السقوط!.

الدرس الثانى يتعلق بتسييل المؤسسة لحساب الفرد، فخلال فترة «استوزار» أردوغان، كان لحزب العدالة والتنمية، وكذلك مؤسسات الدولة التركية، مثل مؤسسة الخارجية على سبيل المثال، الدور الأكبر والأهم فى إدارة الدولة، لكن التجربة الرئاسية لأردوغان تشهد على تراجع الحزب، لأن الرئيس استغنى عنه بالجماعة، أو الشلة، المتمثلة فى الإخوان، وأصبح هؤلاء هم أداته، وليس أدل على ذلك من أن أهم الفعاليات التى تشهدها تركيا فى الفترة الأخيرة عبارة عن تظاهرات يقودها «أردوغان»، لتقدم للعالم صورة كاريكاتيرية عن رئيس تحول إلى «ناشط سياسى»، وهو مشهد يثير السخرية قدر ما يثير الرثاء.

الدرس الثالث يتعلق بفكرة «التأبيد»، وهى فكرة شرقية فى الأساس تسربت عدواها إلى «تركيا» فى عهد أردوغان. وحقيقة الأمر فإن «التأبيد» فى المنصب عاهة من عاهات المشهد السياسى داخل دول العالم الثالث، حين ينظر رئيس الدولة حوله فلا يبصر إلا نفسه، ويظن أن الشعب مظبوط على ساعة يده هو، وأن اختفاءه يعنى برجلة المشهد، وهو تفكير يفتقر إلى أبسط المعانى العقلية أو الإيمانية، فالعقل يقول إن كل زمن وله معادلته، والدين يقول إن كل إنسان إلى زوال.. والدوام لله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف