أبو الفتوح قلقيلة
«أرتيكاريا» العدالة و«فوبيا» الحق
من يريد اليوم أن يستمر في كرسى الوزارة فعليه أن ينتقد العدالة أو أي صور من صورها.. أو بالأحرى عليه أن يلعن أي شىء مجانى أو رخيص، أو يقدم بسعر معقول للمواطن.. المهم أن يشعر من فوقه بأنه قادم لبيع كل شىء للمصرى الذي صار يعيش في وطنه، وكأنه أجير أو ساكن في شقة إيجار مؤقت، يتلاعب به صاحب العقار، ويرفع عليه القيمة الإيجارية يوما بعد آخر.. كان آخر المتحدثين عن هذا المعنى، ولكن بشكل أكثر صراحة هو السيد وزير الصحة الدكتور أحمد عماد، الذي أراهن أن أغلبية المصريين لا يعلمون عنه شيئا، وكانوا يجهلونه شأن غالبية السادة الوزراء حتى تشجع بالأمس، وانتقد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وطعن في مشروعه الإجتماعى والاقتصادى الذي كان به مسحة من عدالة اجتماعية تلاشت نهائيا الآن، وغابت عن فقراء المصريين.
المهم أن السيد الوزير نال نقدا لاذعا، وربما تجاوزا من كثير من السادة المحسوبين على التيار الناصرى، الذين لم يصدقوا أن وزيرا في حكومة شريف إسماعيل ينتقد عبد الناصر.. أحزنهم جدا النيل من مجانية عبد الناصر، ومن أفعال الرئيس الراحل، ولم يهمهم ويحزنهم غياب العدالة من زمن، أو إفقار المصريين ورفع الدعم عن خدمات وسلع حياتية أساسية مثل الكهرباء والماء والوقود.. وهنا تكمن كارثة جزء كبير من التيار السياسي المصرى، وخاصة من يسمون أنفسهم بالناصريين أو الدولجية، فلو تعلق الأمر بشخص رئيس سابق مثل جمال عبد الناصر ثاروا وانتفضوا (لفظيا) حتى يتراجع منتقد "عبد الناصر" عن غيه، ولكن إن كانت تلك سياسة الدولة غضوا البصر عن كل ذلك، فهم مع الدولة بمبدأ انصر حكومتك ظالمة وظالمة، فلم يراها الكثيرون مظلومة يوما ما، ولكنهم مع ذلك ناصرون وناصريون مؤيدون فقط على الدوام للأعلى منتقدون للأقل حظا!
نأتى هنا للسيد الوزير الذي انتقد مجانية التعليم التي علمته هو وكل من معه في وزارته، وعلمتنا جميعا، ومع ذلك يجحدها.. ليس المهم شخص عبد الناصر رحمه الله، فالرجل بين يدى الرحمن الرحيم يحاسبه كما يشاء، لكن إن كان للرجل أيد بيضاء في مجال الصحة والتعليم فهذا شىء يحمد له مع كل انتقادنا لأى شىء آخر أخفق فيه أو منعه عن المصريين كالحرية والديموقراطية، لكن المؤسف أنك تستشعر أن من استفاد مباشرة من الأجيال السابقة من التعليم المجانى ثم تبوأ مناصب قيادية أو نفاذة يصاب دوما بأرتيكاريا العدالة وفوبيا الحق، ويخشى اقتراب العدالة من غيره، خشيته من الموت الذي يحرص على ابتعاده عنه، لأنه يدرك مدى ظلمه وإجحافه في حق غيره، وحق من يرعاهم ويتولى أمرهم فكيف يقابل ربه يوما ما!
القضية ليست عبد الناصر أو السادات أو مبارك أو من أتى بعدهم أو سيأتى، القضية هي استغفال الشعوب وأكل حقوقها تحت شعارات مثل (مفيش دولة تقدم كل شىء مجانى).. لا يا حبيى أنت تجهل معنى الدولة، أو أنك تكابر وتغالط الواقع، لأن كافة الدول المحترمة تقدم كل الخدمات التعليمية مجانا لمواطنيها، وتعتبر الصحة والعلاج حق بديهى لكل مواطن على أرضها، بل إن بعض الدول تمنح هذا الحق لكل من يعيش على أرضها وداخل حدودها حتى وإن كان مغتربا أو لاجئا، أو حتى مقيما غير شرعي.. لا أدرى لماذا يكرهون العدل وكل ما قرب منه من فعل أو عمل لتلك الدرجة المقيتة!
لماذا يعجلون بالخراب ويريدون للدولة أن تهتز بشدة بفضل ظلمهم ودعوتهم إليه، إن كل من ينادى بالإجحاف وظلم المواطنين يمثل المؤامرة الحقيقية على تلك الدولة، وعلى هذا الوطن ومواطنيه، ويجب على الدولة أن تتخلص منه فورا بالإقالة، لأن بقاءه مسئولا نافذا أو مشرعا تهديد صريح لأمنها القومى وسلمها الاجتماعى.