* منذ زمن بعيد ـ يربو علي نصف قرن ـ أدمنت قراءة الصحف.. بحكم الهواية أولاً ثم بحكم الدراسة والمهنة بعد ذلك.. أقضي أكثر ساعات يومي في متابعة ما تنشره الصحف بعين فاحصة.. تبحث دائماً عن الجديد والمختلف والمتميز.. لذلك ساءني جداً تجاهل الصحف لخبر وفاة الدكتورة مني بكر مديرة النانو تكنولوجي بجامعة القاهرة بشكل مفاجئ.. بل مثير ومريب.. في حين أشعلت هذه الوفاة مواقع التواصل الاجتماعي التي ألقت الضوء علي قيمة ومكانة هذه العالمة الجليلة ووصفت وفاتها المفاجئة بالمؤامرة.. وقالت إنها ماتت بنفس الطريقة التي ماتت بها عالمة الذرة المصرية الدكتورة سميرة موسي.. واكتشفنا بعد وفاتها أن وراء الجريمة عصابات إرهابية تطارد العلماء المصريين للحيلولة دون امتلاك مصر للتكنولوجيا الذرية والنووية.
وعلي مدي ما يقرب من أسبوعين علي الوفاة لم تحظ الفقيدة العظيمة بواحد علي مليون مما تحظي به أية فنانة تموت في مصر.. ربما لأنها لم تحظ بواحد علي مليون من الشهرة التي تتمتع بها أصغر فنانة في مصر في حياتها.. في الواقع كان الشعب المصري ـ ونحن منه ـ يجهل قيمة هذه السيدة الرائعة.. لا نعرف حتي اسمها أو صورتها وهي علي قيد الحياة.. لم تهتم بها الصحف ووسائل الإعلام.. كانت دائماً بعيدة عن الأضواء والتكريم المقصورين حصرياً علي الفنانات والفنانين في المهرجانات التي تقام دورياً من أجلهم والبرامج الإعلامية التي تعد خصيصاً لهم والصفحات الفنية التي تتابع أدق أخبارهم وتنشر صورهم يومياً.
وبالرغم من اهتمامنا الإعلامي والرسمي بالمرأة عموماً ونجاحات المرأة وقدرات المرأة واحتفالاتنا بيوم المرأة وعام المرأة.. إلا أن الواضح أن نموذج الدكتورة مني بكر ومثيلاتها ليس محبذاً إقحامه في هذه الدائرة المغلقة دائماً علي سيدات المجتمع المخملي في مصر.. سيدات الروتاري والإنرويل والنوادي والجمعيات والحركات النسائية إلي جانب الفنانات والإعلاميات طبعاً.. وهذا وجه آخر للمأساة التي يعيشها علماؤنا الأجلاء.. والظلم الواقع عليهم أحياءً وأمواتاً.. ولكن ماذا نفعل.. هذا هو واقعنا.. وهذا هو بلدنا.. واللهم لا اعتراض.
بعد الوفاة عرفنا أن الدكتورة مني بكر مدير مركز النانو تكنولوجي بجامعة القاهرة هي مؤسسة أول شركة في مصر والعالم العربي في مجال تكنولوجيا النانو.. وأن وفاتها المفاجئة قد أحدثت صدمة للأوساط الأكاديمية نظراً لصغر سنها ـ 48 عاماً ـ وما اشتهرت به من نشاط وقدرات فائقة رفعت بها اسم مصر في مختلف المنتديات العالمية في مجال الكيمياء الفيزيائية وعلوم النانو.. حيث سجلت باسمها قبل وفاتها 4 براءات اختراع دولية مهمة.. كما استحدثت جهازاً يساعد علي زيادة نسبة الهيموجلوبين في الدم.
عرفنا أيضاً أنها ـ رغم صغر سنها ـ أسست مدرسة علمية تضم 42 باحثاً شاركوا في تصنيع المواد النانوية وتطبيقاتها علي الخلايا الشمسية.. وأن لها أكثر من 56 مقالاً علمياً وبحثياً دولياً.. وأكثر من 100 رسالة ماجستير ودكتوراة أشرفت عليها.. وتم تصنيفها ضمن أهم 20 عالماً في "النانو تكنولوجي" علي المستوي العالمي رغم نشأتها البسيطة في إحدي قري الصعيد.
لقد عاشت هذه العالمة الجليلة في صمت.. وعملت في هدوء.. ورحلت دون ضجيج.. وآن لنا ولوطنها أن نكرمها بما تستحق.. وأن نقدمها لأبنائنا وبناتنا كنموذج جيد يجب الاقتداء به في طلب العلم والإخلاص له.. فقد تعلمت في مدارس أسيوط الحكومية.. وحصلت علي الثانوية العامة سنة 1987 ولم تتمكن من الالتحاق بكلية الطب فدخلت كلية العلوم.. وشقت طريقها بكل جدية حتي صارت واحدة من أنبغ علماء الكيمياء في العصر الحديث.. وتركت لمصر وللإنسانية كلها العلم الذي ينتفع به.
رحمك الله رحمة واسعة.. وجزاك خيراً عما قدمت وأنجزت.. وسامحنا الله علي تقصيرنا في حقك.. وحق كل العلماء والقامات العالية التي نظلمهم في حياتهم وبعد مماتهم.
إشارة:
* زهقنا من أخبار وصور الفنان الوسيم "العجوز" ومطلقاته.. مرة زوجته الفنانة تطلب مؤخر صداقها فيلا بخمسة ملايين جنيه.. ومرة زوجته السعودية كسبت قضية الخلع ضده.. كفاية والله ارحمونا.