الوفد
طارق يوسف
وحشتينا يا ست الحبايب
اليوم تحل الذكرى الثانية لوفاة والدتى العزيزة الغالية، والتى كانت حائطاً لصد كل العداوات والأحقاد والعقد التى كانت تقابلنى فى حياتى، والتى كنت أعتبرها دواء وملمساً لم يكتشفه العلم حتى الآن، ولا أرى أحدا أنصف الأم على مدار التاريخ سوى رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ،الذى كرر كلمة أمك ثلاث مرات عندما سأله أحد أصحابه عن أحسن الناس لحسن صحابته، نعم يا حبيبى يا رسول الله إنها كانت أحسن الناس لحسن صحابتى منذ أن كنت طفلاً صغيراً حتى أصبحت شاباً يافعاً ،وحتى صرت والداً لعدة أبناء، كانت أيضاً نعم الصاحب ونعم الناصح، فقط دقيقتان ألقى رأسى على كتفها أو حجرها وتقرأ على ما شاءت أن تقرأ، أقوم وأنا أقوى رجل فى هذه الدنيا وأسعد شخص فى الوجود، وأشعر أن نبض يديها فوق رأسى وكأنها تنقل لى ما تبقى من عمرها لأكمل مسيرتى أنا وأشقائى وتموت هى وهى فى قمة الرضا والسعادةن إنها تمنحنا الحياة والحب والقوة فى نفس التوقيت التى وهنت فيها صحتها وخارت فيه قوتها، رحمة الله عليك يا أمى أن يكون يوم وفاتك هو تاريخ ميلاد أبى رحمة الله، وكأننا حتى فى موتها لا تريد أن نرتبط بمناسبة واحدة فقط وهى ذكرى وفاتها ولكن الله جعل يوم وفاتها مع تاريخ ميلاد أبى لتكون ذكراهما لا تنسى بين أشقائى وأبنائى وأبنائهم، رحمة الله عليك يا أمى فقد كنت أول من يسمع قصائدى العامية وأنا فى المرحلة الإعدادية وكانت تطرب لكلماتى وتسعد بها، وعندما كانت تتابع ما أكتب تقول لى: هذا البيت غير معبر وذاك البيت وزنه مكسور وكنت أجد رأيها دائماً هو الأصح.. كانت تسمع مشاكلى وأعلم أن لديها حلولاً سريعة وصادقة حتى ولو لم أتحدث إليها كانت تنظر إلى وتقول لى «أنت عندك مشكلة ومخبيها علىّ» وكنت أخشى عليها من أية أخبار مزعجة بسبب مرضها الذى امتد عشرين عاماً ولكنها كانت تقول لى «أنا زى الفل أنت اللى مش عاجبنى اليومين دول» وكانت يدها قريبة جداً من محفظتها لتقول لى «شكلك معذور» وتلقى ما لديها من أموال أمامى، وأنا أقبل يديها وأقول لها «والله مستورة» وعندما أرى دموعها السريعة على خديها أقوم بالفضفضة لها لكل ما يضايقنى، حتى لو كانت قضايا ومشاكل تستعصى عليها وعلى وضعها الصحى.. وأفاجأ بحلول نورانية على لسانها تزيل عن قلبى همومه وأقوم وأنا أخلع كل أوجاعى وهمومى على باب غرفتها قبل أن أنام وتبدأ هى فى قيام الليل الذى لم تتركه يوماً رغم مرضها وكنت أسمعها وهى تلح على الله عز وجل فى الدعاء أن يحفظنا ويحفظ أبناءنا والحمد لله بقيت دعواتها ودعوات أبى وها أنا أرى نفسى رغم غيابها مسنود بقوة ربانية تحمينى من الذئاب العقورة والثعالب الماكرة بفضل دعائها لى وبفضل صلاحها فى الدنيا، رحمة الله عليك يا أمى وذكرى وفاتك تحل مع ذكرى عيد الأم وأنا لا أتمالك دموعى وأنا أسمع الرائعة فايزة أحمد وهى تقول: «ست الحبايب يا حبيبة يا أغلى من روحى ودمى» أسأل الله لها الرحمة والمغفرة وأن يجمعنى معها ومع والدى على الخير فى فسيح جناته.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف