عثمان الدلنجاوى
دعم السفارات الأجنبية بالبنزين .. إلي متي؟!
تحدثت حكومتنا المتعاقبة عن الدعم أكثر مما سعت إلي تحقيق العدالة في توزيعه أو سد أبواب الفساد النافذة إليه.. وربما تصيبك الدهشة إذا علمت أننا لا نملك حتي الآن قاعدة بيانات علمية للفئات المستحقة للدعم ومعايير هذا الاستحقاق خصوصًا بعد الطفرة الهائلة في الأسعار ومعدلات التضخم وما صاحبها من ارتفاع في تكلفة معيشة الفرد جعلت من كان "مستورًا" بالأمس. فقيرًا اليوم.. ورغم ما يعانيه اقتصادنا من اختلالات قديمة متجددة فلا يزال البنزين المدعم يذهب إلي السفارات "تقدر بنحو 140 سفارة. و70 منظمة دولية وإقليمية تستخدم نحو خمسة آلاف سيارة" والشركات والأفراد الأجانب والمواطنين الأغنياء علي أرض المحروسة بالسعر ذاته الذي يحصل عليه المواطن الفقير.. ولو كانت الحكومة جادة في دراسة منظومة الكروت الذكية لتوزيع البنزين قبل طرحها ثم التراجع عنها لأمكنها منع هذا الهدر.. وماذا يضيرها لو طبقت مبدأ المعاملة بالمثل. ذلك أن بعثاتنا الدبلوماسية بالخارج البالغة نحو 165 في 129 دولة تحصل علي ما تحتاجه من وقود بالسعر الرسمي في تلك الدول في البلد.. المعاملة بالمثل تحقق دعمًا لاقتصادنا المستنزف وتمنع هدر دعم الطاقة الذي تحتل فيه مصر المرتبة الخامسة عالميًا. متقدمة علي دول منتجة للنفط بدرجة هائلة رغم تراجع أرقام هذا الدعم من 135 مليار جنيه قبل عامين إلي 61 مليارًا وربما أقل في الموازنة الأخيرة لكنه لا يزال ضاغطًا علي تلك الموازنة. إذ لا تزال الدولة تستورد منتجات بترولية بنحو 795 مليون دولار شهريًا رغم تراجع أسعار النفط عالميًا. مدفوعة بارتفاع مخزونات النفط الأمريكية.
الحكومة تحدثت عن كروت البنزين والسولار دون أن تعد دراسة علمية عن الفئات المستحقة لدعم الوقود. كالفلاحين وأصحاب التوك توك وغيرهما. فليس معقولاً أن يحصل الفلاح المنتج لأهم احتياجاتنا الأولوية من الغذاء علي السولار بالسعر ذاته الذي تحصل عليه فنادق البحر الأحمر والمراكب النيلية.. وبأي حق يحصل عليه الأجانب ـ سفارات وشركات ـ بالسعر المحلي المدعم الذي هو من أرخص الأسعار عالميًا؟!
الأغنياء لا يزالون هم الأكثر استفادة من دعم الطاقة بنسبة 34% مقابل 17% للفقراء. حتي أن 40 مصنعًا كثيفة الاستخدام للطاقة كانت تحصل علي 65% من الدعم الموجه للطاقة سنويًا قبل الثورة رغم أن مساهمتها في الاقتصاد لم تزد علي 20% ولم يزد استيعابها للعمالة علي 7%. فإذا كانت حكومتنا تبحث عن طوق نجاة لاقتصادنا الذي يعاني اختلالات هيكلية قديمة إثر تآكل قطاعات الإنتاج خصوصًا الزراعي. وشيوع نمط تصنيع تجميعي يلجأ لاستيراد مستلزمات تشغيله من الخارج. مع ما يفرضه ذلك من أعباء ضاغطة علي الاحتياطي النقدي المتعثر.. فلا أقل ـ والحال هكذا ـ من ترشيد الإنفاق لحين إعادة بناء قطاعات الإنتاج وفق رؤية تستهدف تنمية اقتصادية شاملة تبدأ بتشغيل المصانع والشركات العامة وتشجيع الرأسمالية الوطنية الراغبة في توطين صناعة حقيقية ذات إنتاج حقيقي يحقق قيمة اقتصادية مضافة. وليس مراكمة الثروات عبر التداول والمضاربة اللذين لا يحققان أي منفعة إلا لأصحابها الذين لا يزالون يحققون هوامش أرباح عالية جدًا.
لا تزال لدينا موارد بشرية وإمكانيات صناعية وزراعية وثروات معدنية تحتاج لاستثمار حقيقي وإنتاج يستمر آناء الليل وأطراف النهار لإشباع السوق المحلية بأسعار تناسب دخول المواطنين وتصدير الفائض للخارج بما يدر عملات صعبة تشتد حاجتنا إليها والسؤال: متي تطبق الحكومة منظومة الكروت الذكية للبنزين لمنع وصوله لغير المستحقين..؟!