لا أعرف إذا كانت الدولة تقدم دعماً مالياً ومخصصات للأحزاب السياسية من أموال دافعي الضرائب ـ الغلابة ـ أم لا.. ولا أعرف أيضاً إن كانت تنوي أن تفعل ذلك أم لا.. لكني أتابع الدعوات المتزايدة هذه الأيام علي صفحات الجرائد التي تطالب الدولة بتقديم الدعم المالي الكافي للأحزاب حتي تتمكن من خوض الانتخابات البرلمانية القادمة ولا تمد يدها لرجال الأعمال أو للتمويل الخارجي.
هذه الدعوات والمطالبات صدرت من قيادات في الأحزاب القديمة والأحزاب الجديدة علي حد سواء.. والتي وصل عددها معاً إلي ما فوق التسعين حزباً مع أن المعروف منها لا يكاد يعد علي أصابع اليد الواحدة.. وهذا يعني أن مخصصات الدعم لهذه الأحزاب جميعاً سوف تشكل عبئاً كبيراً علي ميزانية عاجزة لدولة مديونة.. لا تغطي الاحتياجات الأساسية لمواطنيها.. وبالتالي فإن أي مليم يوجه إلي الأحزاب هو في الواقع إهدار للمال العام.
كلنا يتذكر الانتخابات الرئاسية "التمثيلية" التي حبكها مبارك عام 2005 وقدم فيها الدعم المغري للأحزاب كي تخوض هذه الانتخابات.. وبعض الأحزاب كان عائلياً فقط.. يشمل الأب والأولاد والبنات وأزواج البنات.. وكان الحزب بالنسبة لهم مجرد دكان أو شركة أو مشروع بيزنس للحصول علي الدعم المالي من الدولة وما شابه ذلك من المخصصات.. وبعض رؤساء الأحزاب لم يكن له أدني معرفة بقواعد العمل وطبيعته.. وسمعنا في ذلك الوقت من يقول إنه مرشح للرئاسة فقط من أجل دعم الرئيس مبارك وليس منافسته.. فأن صوته وأصوات أهله محجوزة للرئيس.
كانت التجربة ـ التمثيلية ـ مضحكة إلي أبعد حد.. والآن يسعي البعض لإحيائها في نسخة جديدة.. من خلال الحصول علي دعم من الدولة لخوض الانتخابات البرلمانية.. وبالطبع من يقرر هذا الدعم الآن هو الحكومة.. وبالتالي سوف تكون هذه الأحزاب مدينة بالولاء والامتنان للحكومة التي أعطتها.. وهل يمكن أن تتصور أن يقدم أحد من الأحزاب علي معارضة الحكومة التي أعطته أو استجوابها أو حتي العمل علي إسقاطها من خلال البرلمان كما يحدث في كل برلمانات العالم الحر؟!
لقد سئل السيد البدوي رئيس حزب الوفد في حوار صحفي نشر مؤخراً عن الشخصية التي سيعهد إليها بتشكيل الحكومة إذا ما فاز حزبه بالأغلبية البرلمانية فقال دون تفكير المهندس إبراهيم محلب لأنه ـ من وجهة نظره ـ صاحب أداء رائع يجعل المهمة صعبة علي من سيأتي بعده.
هذا هو حكم السيد البدوي رئيس أشهر حزب وأقدم حزب علي الساحة علي رئيس الحكومة التي تراكمت المشاكل والأزمات في عصرها.. ولم تقدم حلاً لمشكلة من المشكلات المزمنة التي تعاني منها مصر في المياه والصرف الصحي والتعليم والرعاية الصحية وتلوث النيل والمواصلات والإسكان.. فما بالك إذا ما حصل علي دعم مالي ماذا سيقول وماذا ننتظر منه أن يقول.
وفوق كل ذلك.. فإن العمل السياسي في أساسه عمل تطوعي يقوم علي التمويل الذاتي.. والنشاط الحزبي يقوم علي اشتراكات الأعضاء الذين يقتنعون بسياسات الحزب ومبادئه ويعملون علي وصوله إلي السلطة.. وعندما تتحول الأحزاب إلي دكاكين للتكسب من الدولة أو من رجال الأعمال أو من التمويل الخارجي فسوف يكون هذا هو الفساد المبين الذي لا ينتظر أن يأتي من ورائه خير أبداً.