الوطن
مكرم محمد احمد
«أردوغان» لن يشارك فى تحرير الرقة!
بات من المؤكد أن عملية تحرير مدينة الرقة السورية التى أعلنها أبوبكر البغدادى عاصمة للدولة الإسلامية عام 2012 سوف ينهض بها تحالف أمريكى كردى، قوامه 900 عسكرى أمريكى يتمركزون الآن فى مدينة منبج السورية على مسافة 80 ميلاً من الرقة، يشرفون ويتابعون عن قرب عمليات القتال الأرضى التى تضطلع بها(قوات سوريا الديمقراطية) التى تتشكل أساساً من أكثر من 20 ألف مقاتل من الأكراد السوريين وبعض العشائر العربية، يعتقد الأمريكيون أنهم الأكثر كفاءة وقدرة على تحرير الرقة، تساندهم المقاتلات وطائرات الأباتشى الأمريكية والمدفعية البعيدة المدى التى تنطلق من منطقة تل عفر.

وثمة ما يؤكد أن البنتاجون الأمريكى انتهى من إعداد خطة تحرير الرقة، التى صدق عليها الرئيس ترامب ودخلت بالفعل حيز التنفيذ العملى بتوسيع حجم الإمدادات العسكرية التى يقدمها الأمريكيون للمقاتلين الأكراد، وتشمل المدرعات والمصفحات والمدفعية المضادة للطائرات والصواريخ المضادة للدروع، الأمر الذى أثار غضب الرئيس التركى رجب الطيب أردوغان لاعتقاده أن نهوض المقاتلين الأكراد بعملية تحرير الرقة سوف يعزز مطالبهم بضرورة إقامة منطقة للحكم الذاتى شمال سوريا عاصمتها مدينة كوبانى على الحدود التركية السورية، التى حررها المقاتلون الأكراد من سيطرة داعش قبل أكثر من عام، رغم محاولات الأتراك تعطيل العملية وإفسادها! ويخشى الأتراك من أن تصبح منطقة الحكم الذاتى الكردى شمال سوريا عامل جذب لأكراد تركيا الذين يشكلون العدد الأكبر من الأكراد فى سوريا والعراق وتركيا، وينكر الأتراك هويتهم الكردية ويطلقون عليهم أتراك الجبال، ويبذلون غاية جهدهم من أجل منع الأتراك من تحقيق هدفهم المشترك بإقامة دولة مستقلة أو نوع من الحكم الذاتى شمال سوريا يضم أكراد سوريا وتركيا.

وقد نتج عن اعتماد الأمريكيين المتزايد على المقاتلين الأكراد فى عمليات الهجوم الأرضى، أن تمكن المقاتلون الأكراد من توسيع نطاق الأراضى السورية التى يسيطرون عليها فى كوبانى وعين العرب ومنبج وصولاً إلى المناطق المتاخمة للرقة، حيث تقف القوات الكردية على مسافة ستة أميال من المدينة لا يفصلها عن القوات التركية التى تتمركز فى مدينة (الباب) سوى أميال محدودة، الأمر الذى دفع الأمريكيين إلى تعزيز قواتهم فى منطقة منبج بأكثر من 400 جندى وضابط لمنع أى صدام محتمل بين المقاتلين الأكراد وقوات الرئيس رجب الطيب أردوغان التى اقتحمت الحدود السورية قبل عدة أشهر على أمل أن تشارك فى عملية تحرير الرقة بما يمكن الرئيس التركى من تعزيز مطالبه فى سوريا!

وبسبب اعتماد الأمريكيين المتزايد على القوات الكردية فى عملية تحرير الرقة وإغلاقهم الطريق على فرص إشراك القوات التركية فى عملية تحرير المدينة، هدد الرئيس التركى أردوغان بتحريك قواته من منطقة الباب إلى الرقة، بما دفع الأمريكيين إلى زيادة أعداد قواتهم فى منبج لتشكل قوة فصل بين المقاتلين الأكراد والقوات التركية، ورداً على تهديدات أردوغان، أعلن الأمريكيون أن تهديدات الرئيس التركى باقتحام مدينة الرقة تدخل فى إطار حملته الدعائية لتحسين موقفه فى عملية الاستفتاء على الدستور التركى الجديد التى تجرى فى 15 أبريل المقبل، وهو الدستور الذى أقره البرلمان التركى بعد معارك ومشاحنات مع قوات المعارضة وصلت إلى حد القذف المتبادل بالمقاعد وزجاجات المياه، ويغير الدستور الجديد نظام الحكم فى تركيا من الجمهورية البرلمانية إلى الجمهورية الرئاسية، كما يمنح الرئيس التركى سلطات واسعة، ترى المعارضة التركية أنها سوف تحول الحكم التركى إلى ديكتاتورية متسلطة تأتمر بسلطات حاكم فرد هو وحده صاحب القرار!

وواقع الأمر أن استبعاد الأمريكيين للقوات التركية فى عملية تحرير الرقة واعتمادهم على الروس فى كبح جماح غضب أردوغان كى يبتلع هزيمته، سوف يؤدى إلى إضعاف مكانة أردوغان فى الداخل التركى فى ظل الحرب الراهنة التى يقودها الرئيس التركى ضد معظم دول وسط أوروبا بما فى ذلك النمسا وهولندا وألمانيا وسويسرا، حيث بلغ الصدام ذروته الكبرى لأن الدول الأوروبية ترفض استقبال وزراء أتراك على أرضها، ليشاركوا فى اجتماعات الجاليات التركية حول الدستور الجديد، ومن وجهة نظر الأوروبيين، فإن هذه الاجتماعات سوف تؤدى إلى توسيع الانقسام بين الجاليات التركية فى هذه الدول حول دستور أردوغان وخطورته على مسار الديمقراطية التركية، وربما تقود إلى استخدام العنف من جانب أعضاء حزب أردوغان (العدالة والتنمية) الأمر الذى يهدد الاستقرار والأمن فى دول أوروبا الوسطى، وكان أردوغان قد هدد رئيس الوزراء الهولندى مارك روتى بأن هولندا سوف تدفع الثمن باهظاً لإصلاح علاقاتها مع تركيا ومن الضرورى محاسبتها على وقاحة تصرفاتها قبل الحديث عن إمكانية وقوع مصالحة مع تركيا.

وكان الهولنديون قد منعوا وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو من الهبوط فى مطار روتردام للمشاركة فى احتفالات الجالية التركية فى هولندا بدستور أردوغان الذى يجرى عليه الاستفتاء فى منتصف أبريل المقبل، كما منعت هولندا وزيرة الأسرة التركية فاطمة البتول التى فاجأت الهولنديين بوصولها إلى إحدى نقاط الحدود عبر الطريق البرى رغم أن الهولنديين طلبوا منها تأجيل زيارتها لهولندا، وما حدث فى هولندا حدث أيضاً مع رئيس الوزراء الدنماركى لارس لوك الذى اقترح على نظيره التركى رئيس الوزراء بن على بدريم إرجاء زيارته المقررة إلى الدنمارك بسبب الأزمة المتصاعدة بين هولندا وتركيا، وقد تصاعدت ردود الفعل التركية إلى حد أن الخارجية التركية استدعت القائم بالأعمال الهولندى لتخطره بأن على السفير الهولندى الموجود خارج البلاد أن يمتنع عن الوصول إلى تركيا لبعض الوقت، كما اتهم رئيس الوزراء التركى الهولنديين بالوقاحة وسوء الأدب بكل ما تحمله الكلمة من معان، بينما وصف مسئول هولندى كبير الرئيس التركى بأنه الرئيس الحقيقى لتنظيم داعش لضخامة الدور الذى لعبته تركيا فى تهريب الأسلحة والمقاتلين من كافة الدول الأوروبية إلى العراق وسوريا ليشاركوا فى العمليات العسكرية لداعش.

ونتيجة الأزمة المتفاقمة بين أردوغان والولايات المتحدة لإغلاق واشنطن الطريق على مشاركة قوات الجيش التركى فى عملية تحرير مدينة الرقة السورية، وزاد من تعقيدها الخلافات المتفاقمة بين أردوغان ودول وسط أوروبا، امتنعت معظم دول الاتحاد الأوروبى عن استقبال مسئولين أتراك للمشاركة فى مؤتمرات الجاليات التركية حول الدستور الجديد بما زاد من سوء وضع أردوغان فى الداخل، كما زاد من شراسة ردود فعل الرئيس التركى إلى حد يهدد بعزلة تركيا وتدمير علاقاتها بدول الاتحاد الأوروبى دون استثناء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف