الوفد
علاء عريبى
استجماتيزم
عندما كانت أبلة هدى تعيد كراسات الخط بعد تصحيحها ونحن فى المرحلة الابتدائية، أكتشف اننى حصلت على درجة متوسطة مع اننى من التلاميذ الذين كانوا يحسنون الخط، سألت الأبلة، قالت لى: لأنك لا تكتب على السطر، أنت تصنع لنفسك سطرا وهميا وتكتب عليه.
عندما كبرت اكتشفت أن ابنى لا يكتب على السطر، سألته:
ــ ليه ما بتكتبش على السطر؟
ــ قال: لأنني أرى سطرين
طبيب العيون أكد لى أنه يعانى من مرض يسمى الاستجماتيزم، وهو عيب فى العدسة، لا تجمع الصورة في نقطة واحدة، أهم أعراضه الزغللة، ترى الأشياء وظلها.
تعرفنا على الاستجماتيزم قبل سنوات، عندما كانت ابنتى تتعلم كتابة الأحرف على السطر، حاولنا معها أكثر من مرة، وكانت دائما ما تنزل عن السطر، زرنا أحد أطباء العيون، وأكد لنا أنها مصابة بمرض اسمه الاستجماتيزم.
ــ يعنى إيه؟
ــ أبدا، خلل فى عدسة العين، يرى الطفل الشىء وظله
ــ يعنى هى بتشوف سطرين
ــ نعم
ــ والحل؟
ــ هتلبس نضارة، وبمرور الزمن سوف تشفى
ــ لا يحتاج لأدوية
ـــ أبدا، فى الغالب يشفى الأطفال من الاستجماتيزم عندما يتقدمون فى السن
فى الكلية حاولت أن ألتزم بالكتابة على السطر، وبعد عدة محاولات اتضح لى صعوبة قراءة الكلمات المكتوبة على سطر، حبر السطر وسمكه أظهر وأسمك من حبر القلم الجاف، أيامها قررت أن أستبعد الورق الفولسكاب، أحباره وسمكه يطبعان على ما نكتبه، أفكارنا وكتابتنا تضيع على السطر، اشتريت الورق الأبيض، نفس أبعاد الفولسكاب، الطول والعرض والسمك، لكنه يختلف عنه كثيرا، أهم ما يميزه عن الفولسكاب أنه مساحة بيضاء عليك أن تصنع سطرك وتكتب عليه، وأخطر ما تكتشفه مع الأيام انك صرت فى مواجهة مع الكلمات التي تكتبها، فلم تعد منشغلا بإظهار ما تكتبه على السطر لكى تتمكن من قراءته، بل أصبحت منشغلا بما تكتب: ماذا أكتب؟، ولماذا اكتب؟ وهل صغت ما أكتبه في أسلوب رشيق ورصين وجميل وبسيط؟
عندما اشتغلت بالكتابة اكتشفت أن السطر مازال حاضرا، في داخل بعضنا أو لدى بعض المسئولين أو في الأجهزة المتابعة، واتضح أن السطر لم يعد خطا مستقيما وسميكا، حبره أظهر عما تكتبه، بل إن السطر يمكن أن يميل ويحيد، يصعد ويهبط ويتلوى حسب الظرف والمناخ والثقافة والبيئة والجغرافيا والتاريخ والحاجة، واتضح أيضا أن حبره يجب أن يلون أغلب أو بعض ما تكتبه، وفى أنظمة كثيرة أصبحت الكتابة على السطر مشكلة، إما ان تكتب على السطر وإما تمنع عنك الفولسكاب، وللأسف هذه المشكلة لم تعد فى بعض الصحف، بل امتدت إلى الفضائيات، وأصبحت أبلة هدى هى مالك الفضائية أو رئيسها، وفى أغلب الأحوال يكون المذيع نفسه هو السطر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف