الوطن
محمد حبيب
التحالف.. والتجمع.. والجبهة
(١) لعله من المفيد أن نذكّر القارئ الكريم بأن سلسلة مقالات «الإخوان والحق المر» تتناول تاريخ الجماعة والحياة السياسية فى مصر فى الفترة (٢٠٠٣ - ٢٠١٠)، أى فى عهد المرشدين: المستشار المأمون الهضيبى والأستاذ محمد مهدى عاكف.. فى هذا المقال (٢١) نستكمل ما كنا قد بدأناه فى المقال الفائت وهو الحديث عن «التحالف الوطنى من أجل الإصلاح» الذى تم تدشينه بنقابة الصحفيين فى يوم ٣٠ يونيو ٢٠٠٥.. بالطبع كان مكتب الإرشاد، خاصة المرشد «عاكف»، متابعاً لما يجرى، واعتبر ما حدث نجاحاً فى الرد عملياً على الاتهامات التى كانت توجه للإخوان، فها هم يمدون أيديهم لكل القوى السياسية ويعلنون فى صراحة ووضوح أنهم جميعاً شركاء فى بناء الوطن، وأن قضية الإصلاح لا يستطيع أن ينهض بها فصيل سياسى بمفرده، حتى وإن كان فى حجم وثقل الإخوان.. ومن الإنصاف أن نقول إن نظرة التوجس إلى فكرة التواصل والتنسيق والتعاون بين الإخوان والقوى السياسية لم تكن فقط من جانب بعض هذه القوى، وإنما كانت أيضاً من جانب بعض -إن لم يكن كل- أعضاء مكتب الإرشاد الذين كانوا يرون فى الأمر استنزافاً لوقت وجهد الإخوان فيما لا طائل من ورائه ولا أمل فيه، حيث إن هذه القوى لا وجود لها فى الشارع ولا رصيد لها بين الجماهير، فضلاً عن أن أسلوبها فى التعبير لا يتناسب مع منهج الإخوان، وأن الذى يدفع الفاتورة من تضييق وحبس واعتقال هم الإخوان، وبالتالى فإنه من الأفضل لهم أن يحملوا التبعة على كاهلهم، وهو ما كنت أعارضه بشدة؛ لأن ذلك يصب فى اتجاه استراتيجية السلطة الديكتاتورية التى تستهدف دوماً تشتيت قوى المعارضة وتشرذمها وذلك بعزل الإخوان عن بقية القوى السياسية من ناحية، وعزل القوى السياسية نفسها عن بعضها البعض من ناحية ثانية، بل وضرب أى قوة سياسية يقوى بنيانها ويشتد ساعدها..

(٢) كان عدد أعضاء الأمانة العامة للتحالف الوطنى من أجل الإصلاح ٣٦ عضواً؛ يمثل الإخوان فيها بـ٩ أعضاء، أى بنسبة ٢٥٪.. وقد عقدت الأمانة العامة اجتماعها الأول بمقر النقابة العامة للمحامين.. وكان على جدول الأعمال: اختيار الأمين العام، تشكيل اللجان الفنية، أسلوب عمل التحالف فى المرحلة المقبلة، وهكذا.. وقد اتفقت الأمانة على أن يكون منصب الأمين العام بالتناوب بين القوى المكونة للتحالف كل ٣ أشهر.. وقد وقع الاختيار على كاتب هذه السطور كى يكون أميناً عاماً فى الأشهر الثلاثة الأولى.. كما تم تشكيل اللجان طبقاً لرغبات أعضاء الأمانة، وتقوم كل لجنة باختيار مقررها، كما تقدم للأمانة دراسة حول طريقة عملها لمناقشتها واعتمادها.. وقد اتفقت الأمانة العامة على طريقة التعامل مع حزمة الإصلاح السياسى (إيقاف العمل بقانون الطوارئ، إطلاق الحريات العامة.. إلخ) وفق جدول زمنى، وأن يكون قرار الموافقة على أى موضوع بالإجماع، وإلا فبأغلبية الثلثين.. وقد كان هناك اهتمام خاص بالحركة خارج الغرف المغلقة، كعقد المؤتمرات الجماهيرية، والتظاهرات، وغيرهما.. هذا إلى جانب إجراء الدراسات الدستورية والقانونية، والتواصل مع كافة مؤسسات المجتمع المدنى من أحزاب ونقابات وجمعيات، علاوة على الرموز الوطنية والشخصيات العامة من مفكرين وكتاب وأدباء.. إلخ.

(٣) أول تظاهرة قمنا بتنفيذها كانت يوم الأربعاء ٢٠ يوليو ٢٠٠٥، أمام نقابة المحامين بوسط القاهرة، وقد شارك فيها أكثر من ٣ آلاف متظاهر، وكانت بهدف دعم السادة القضاة فى مطالبهم باستقلال السلطة القضائية استقلالاً كاملاً، وضرورة تمكينهم من الإشراف الكامل والحقيقى على الانتخابات العامة.. وكالعادة كان العدد الأكبر فيها لشباب الإخوان.. كان تنظيم التظاهرة صعباً، حيث تعدد اللافتات وتنوع الهتافات حتى تكون معبرة عن مكونات التحالف، وكان فيها بعض الثغرات، على اعتبار أنها التجربة الأولى (راجع كتابى: الدعوة إلى الله.. منهج وأصول، القاهرة: دار النشر للجامعات، ٢٠١٠، ص ١٠٨ - ١١٠).. وفى ٢٨ يوليو ٢٠٠٥، ألقى الرئيس الأسبق حسنى مبارك خطاباً فى محافظة المنوفية يعلن فيه ترشحه لفترة خامسة لرئاسة الجمهورية.. وقد تضمن الخطاب إشارات نحو إصلاحات دستورية وسياسية سوف يقوم بها حال فوزه فى الانتخابات (المرجع السابق، ص ٩٠ - ٩٢).. ثانى تظاهرة قمنا بها، كانت فى شهر أغسطس ٢٠٠٥، وكان مزمعاً إقامتها فى ميدان عابدين، إلا أن الأجهزة الأمنية اعترضت على ذلك بشدة، فاضطررنا لإقامتها بنفس مكان التظاهرة الأولى.. كانت هذه التظاهرة بهدف إيقاف العمل بقانون الطوارئ الذى أصاب الحياة السياسية بالشلل على مدى ٢٤ عاماً (حتى ذلك الوقت).. وقد راعينا فيها سد كل ثغرات التظاهرة السابقة..

(٤) فى ذلك الوقت، أنشأ الدكتور عزيز صدقى، رئيس وزراء مصر الأسبق، مع بعض الرموز الوطنية والشخصيات العامة ما سمى بـ«التجمع الوطنى للتحول الديمقراطى»، وكان من أبرز دعائمه الأساتذة: يحيى الجمل، حسن نافعة، ضياء رشوان، سمير عليش، مصطفى بكرى، عبدالحميد الغزالى، وآخرون.. وقد اعتبر «التجمع الوطنى» جميع مشكلات مصر الأساسية ناجمة عن أزمة الحكم بشقيه: الاستبداد والفساد، وأن الطريق إلى مواجهة ذلك يكمن فى حزمة من الإصلاح السياسى التى يتبناها «التحالف الوطنى من أجل الإصلاح».. ونظراً لاقتراب موعد انتخابات مجلس الشعب المصرى، فقد فكرت بعض الرموز الوطنية فى تجميع كل القوى السياسية تحت مظلة واحدة باسم «الجبهة الوطنية من أجل التغيير».. وقد وجدت هذه الفكرة صدى جيداً لدى الرأى العام، وإن كانت هناك مشكلات ناجمة عن أوضاع ذات حساسية معينة؛ بين حزبى الوفد والغد بقيادة أيمن نور، وبين رفعت السعيد والإخوان، وهكذا.. المهم أن «الجبهة الوطنية» ضمت التجمع الوطنى، حزب الوفد، حزب العمل المجمد، التحالف الوطنى، حزبى الكرامة والوسط (تحت التأسيس)، وكفاية.. وقد كان هناك توجه بتكوين قائمة واحدة تخوض بها «الجبهة» انتخابات مجلس الشعب فى أكتوبر ٢٠٠٥، وكان من رأى الإخوان صعوبة ذلك، من منطلق أن المعارضة مؤتلفة حول مفردات الإصلاح السياسى فقط، وليس مفردات الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، على اعتبار أن هذين النوعين من الإصلاح مرتبطان بالمرجعية الفكرية لكل فصيل.. ولأن البرنامج الانتخابى يشتمل على كل أنواع الإصلاح، لذا لم يكن منطقياً أن تكون هناك قائمة واحدة.. (وللحديث بقية إن شاء الله).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف