الجمهورية
منى نشأت
سنين ومرت
من بلكونة في الدور الرابع أطل علي دنيتي الحلوة. ومقري الأول شبرا. هنا ولدت في هذه الغرفة. وعبثا حاولت أن أحكي انني بدأت الإدراك من لحظة ولادتي. رأيت ملامح الطبيبة. العرق المتساقط من جبين أمي.. وحضن أبي الطيب يلتقطني وعمري في الدنيا دقيقة. أتذكر شعاع الشمس كخيط ذهبي مر من "شيش" الشباك لطرف السرير لأول مرة شعرت النور وادركت اللون.
كثيرا حكيت لأخوتي.. أني ولدت بوعي كامل. فيضحكون ادعم كلامي بلون ملابسهم التي كانوا يرتدونها والزرار المفتوح من قميص أخي الأكبر وكيف كان الأصغر يشمر أكمامه لا أحد يصدق. كلهم يريدون أن يريحوا تفكيرهم من الفكرة التي سترهقه. لذلك كففت عن الكلام مع يقيني من صدق الطفلة.
عشنا في بيتنا هذا.. ولكل طبعه وطابعه. وحدي وليدة الحي الشعبي. تأسرني اصوات البائعين ونغماتهم في النداء والتعبيرات الرائعة العفوية "معسلة يا بطاطا".. تسمعها بالأذن ثم تراها بالعين وقطرات العسل زادت حتي فاضت من قلب "كوز بطاطا" كان السبب في وقوع فاتن حمامة في الحرام كبطلة لقصة "يوسف إدريس". و"خالي من العيوب يا قصب".. نداء علي عود شد عوده ولم يمسه سوء.
لكن اخوتي تضايقهم الأصوات والزحمة.. هم لم ينشأوا هنا.. تزوج أبي من أمي في بيت أوسع ومكان أرحب يحيطه الأخضر.. لينجبا الأخوة وفي البيت المقابل البعيد كانت عصابة كأفلام السينما ازعجها وجود أسرتنا بعد أن كان المكان فسيحا خاليا. وحين وصلوا إلي وضع السم للكلب الذي ربيناه للحراسة.. ارتعدت أمي وطلبت مسكنا في أكثر الأماكن ازدحاما.. وأعلي دور. ليقع الاختيار علي الحي العتيق العريق.. شبرا.
من حظي
هنا مدرستي والضفائر.. وصديقتي البريئة.. ومدرسة الفصل اسمها نادية وكنا نكملها نادية كرامة كلقب اطلقناه عليها ففي كل حصة بجانب الكيمياء تعطينا درسا في الكرامة.
وفي حصة الألعاب كانت المدرسة سمينة لدرجة نتعجب معها كيف تتحرك إلا أنها كانت تري في أي كيلو تفقده. خسارة فالجمال علي أيامها يستلزم.. الوزن.
أبي أطيب مخلوقات الله.. لم نسمعه ينادي أمي سوي باسم "الدلع". وهي أحن أم في الوجود. تعلمت في سنوات لم يكن فيها تعليم المرأة شائعا.. وتكرر علينا أن زميلتي علي مقعد الدراسة "بنت الشاطيء".. الأديبة والكاتبة الشهيرة.
لم اكن مطيعة كأختي. لا أعرف السبب. أمي تطلب مني احضار قميص أخي للغسيل. فيقفز الرد علي لساني دون تفكير.. وهل سيغسل هو بلوزتي. وفي رمضان يصبح من الضروري أن واحدة منا أنا أو أختي سترفع المائدة بعد الأكل.. لم أكن أمضغ الطعام ولا اهتم بالشبع قدر أن اغادر حتي لا أحمل الاطباق الي المطبخ.. فداخلي ثورة لماذا البنات وليس.. الولد.
كانت حبيبتي شقيقتي تعرف بما يدور في عقلي وقلبي فتجري لتحمل عني.. وتساعد أمي.
والآن أعود لشرفة بيت في مكان اعشقه.. أصعد سلالم طالبت أمي أن تكون عالية.. وأمر علي الغرف والصالة والذكريات.. ليتها هنا تأمرني أجهز الأكل.. أناولها الأطباق.. اغسل قميص أخي. اتقوقع في حضنها.
عايشة
من هم الدنيا أننا نمارس حياتنا وكأن أمنا ستحيا العمر كله.. وتموت لنسأل هو انا.. بعدها.. عايشة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف