الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
القاهرة والشهرة
المدن في جمهورية مصر العربي ومثقفوها ـ فيما عدا مدينة القاهرة ـ يقع عليها ظلم بالغ.. ذلك ان الأضواء انحسرت عنها. ولا تكشف عن مواهب سكانها وتسمي لدي جهات الاعلام "الأقاليم" واذا ما ظهر شاعر أو كاتب بها. لا يجد له نصيبا من الشهرة والأضواء حتي يدفعه طموحه الي الاقامة في القاهرة ويصبح من سكانها. يتنقل بين المنتديات. ويقابل الناقد فلانا والصحفي علانا.. ويتردد علي أماكن الاعلام المرئي والمقروء والمسموع. ولنا في الاستاذ الرافعي. سعيد العريان. محمود أبو ريا مثال لأبناء الغربية وعبدالعليم القباني وغيره بالاسكندرية مثال آخر وكثير غير ما ذكرت يعيشون بعيدا عن القاهرة لم تعرف الشهرة طريقا لهم الا بقدر علاقتهم بالقاهرة.
أظن انه لولا ان الرئيس السادات رحمه الله كان وراء الشيخ النقشبندي ما كنا تمتعنا بحلاوة صوته. وجمال أدائه. وفاء لمدينة طنطا. وحبا للياليها الجميلة. فقد امتلأت بالمواهب والمثقفين والتي لا تعرف الا بالسيد البدوي والذي تشد اليه رحال المحبين.. فيها عرفت عددا كبيرا من أصحاب المواهب أو سمعت عنهم. وتقابلت معهم في ندوات ثقافية أو بمهرجانات فنية ولكنهم غير معروفين لأحد خارج هذه المدينة.
أذكر اني في قصر ثقافة طنطا ـ وكان يعمل به الأستاذ محمد الصاوي شقيق الأديب الكبير عبدالمنعم الصاوي صاحب قصة الساقية ومعه الرحيل.. استمعت في ندوة فنية الي صوت رائع لأحد الطلاب بالمدارس الصناعية. يعزف علي آلة العود. ويغني قصيدة الكرنك التي كتبها الشاعر أحمد فتحي ولحنها وغناها الأستاذ محمد عبدالوهاب. كانت المفاجأة ان هذا الطالب عرف بمدينة طنطا بالدخول في معارك طلابية أو غير طلابية. وكثيرا ما كان يستخدم مطواة قرن الغزال التي عرفتها شكلا فيما بعد من خلال القضايا الجنائية التي عرضت علي أثناء العمل القضائي.
هذا الصوت الرائع أذهل الحضور. وانتزع اعجابهم وتصفيقهم المستمر. والأجمل في ذلك ان هذا الطالب ـ ازاء الاهتمام الذي لقيه من المتواجدين. ومنهم الحاج محمد الصاوي. ونجله محمود الصاوي ـ هذا الطالب ـ هجر كل الزوابع التي كان يثيرها بالمدرسة وخارجها وهذب تصرفاته. وأصبح يخجل من نفسه لو صدر منه تصرف معيب. مما يؤكد ان الفن الجميل يهذب من أصحابه. ويجمل محبيه.
كان قصر الثقافة بطنطا. يصدر مجلة حائط اسبوعية يرأس تحريرها الأستاذ أحمد الخطيب أحد موظفي القصر ونجل فضيلة الشيخ محمد خليل الخطيب. وكان كاتب قصة قصيرة ومثقفا موسوعيا يعشق القراءة عشقا شديدا. ويتبني المواهب الشعرية والقصصية وكتاب الرواية ويوجههم. ويقدمهم في الندوات.. كما كان والده رحمه الله شاعر الرسول صلي الله عليه وسلم أصدر العديد من الكتب في الصوفية والشعر والحديث والفتاوي. ويحضر ندوته الاسبوعية بمسجد المحافظة جمهور كبير يأتون من مدن عدة. وكان في زيارته دائما العلماء أمثال الدكتور عبدالحليم محمود والامام محمد متولي الشعراوي والرئيس السادات رحمه الله. أحمد القصبي محافظ الغربية الأسبق والدكتور محمود جامع صاحب كتاب عرفت السادات وكتب أخري. وكان منزله عبارة عن ندوة دائمة تنار فيها المسائل العلمية الاسلامية.
هؤلاء جميعا ظلوا بالأقاليم ولم يقيموا في القاهرة ولذلك فكثير من الناس لا يعرفونهم ولا يعرفون جهدهم العلمي. أما من أقام في القاهرة من أصحاب المواهب فقد عرفه الناس وشعت شهرته. ونال حظه من أضواء الاعلام حتي ولو كان في زيارات متقطعة أمثال الأستاذ الرافعي الذي كان يتردد علي صالون الانسة مي. كما ان علاقته بزعيم الشعب سعد زغلول وقد كتب له عن كتاب اعجاز القرآن "كأنه تنزيل من التنزيل أو قبس من نور الذكر الحكيم". وفي الفن المطرب محمد ثروت والسيدة سهير المرشدي فقد قدمتهما موهبتهما الي عالم الأضواء.. فإلي متي تظل القاهرة خاطفة الاهتمام من باقي المدن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف