أخيرا بدأ واحد من أحلامنا الكبيرة يتشكل.. مدينة جديدة أعلي هضبة أسيوط الغربية اطلق عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي مسمي "مدينة ناصر" تخليدا لذكري ابن أسيوط الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. ووعدنا بأنها لن تقل تخطيطا وجمالا عن العاصمة الإدارية الجديدة.
قدرنا نحن الصعايدة والمواطنين البسطاء عموما أن أحلامنا تتعثر طويلا.. سنين وسنين يمضي بنا الحلم حتي إذا بدأ يتحقق فأنه يتشكل ببطء يقتل الوقت ويقصف العمر.. هكذا كانت تجربة أبناء اسيوط وهم يكتوون بلهيب أسعار العقارات والشقق السكنية في ظل ندرة تفرضها ظروف الواقع الجغرافي الوعر لمدينتنا المحاصرة بين الجبل والنهر.. لا ملجأ من خناق الأزمة الطاحنة إلا باختناق آخر في الامتدادات العشوائية فوق الأراضي الزراعية المتاخمة للمدينة حيث يعيشون ظروفا صعبة ضحايا تجارة لا تعرف الرحمة وسماسرة وموظفين من أصحاب الضمائر الخربة ومسئولين يقفون عاجزين عن تقديم انجاز جذري حقيقي يقضي تماما علي الأزمة.. حتي اطلق اللواء نبيل العزبي محافظ أسيوط الأسبق فكرة فتح ثغرة في ذلك الجدار الصخري العالي الذي يحول دون توسع المدينة غربا.. وقرر أن الحل في شق طريق يخترق تلك الهضبة الغربية يسمح بنقل العمران إلي المساحات الشاسعة فوقها.. فكرة العزبي كانت تحتاج 150 مليون جنيه وقتها تكلفة إنشاء هذا الشريان للحياة أو الطريق الذي لا يزيد طوله علي 22 كيلومترا لكنه يكفل متنفسا وحياة جديدة لملايين البشر.. في ذلك الوقت اختارت دولة مبارك تطوير طريق الاسكندرية بـ 7 مليارات جنيه وتشغيل قطار داخل صالات مطار القاهرة بـ 800 مليون جنيه.. وتركت مليارات من ثروات الوطن نهبا للصوص في حين ضنت علي شعبنا بذلك المبلغ الزهيد الذي يستطيع انتشالهم من الضيق والمعاناة ويوقف سيل النزوح الجماعي من مدن أسيوط وقراها إلي عشوائيات القاهرة.. وسيكشف التاريخ عن مفارقات عجيبة يندي لها الجبين في هذا الملف الحيوي وكيف تعمد بعض رجال الأعمال بالتواطؤ مع سياسيين كبار تعطيل المشروع وتعميق أزمة تمتص دماء الناس وتفسد حاضرهم وتسرق مستقبلهم لتبيض لهم ذهبا.. من هؤلاء تجار أراض وأضحاب مشروعات عقارية كبري معروفة بانتهاك أدبيات الهندسة المعمارية والتغاضي عن أي قواعد صحية وآدمية للوحدات التي تبيعها بأسعار باهظة تصل نسبة الربح فيها إلي 300%.. وتعطل المشروع أيضا بسبب أحمد عز وأذنابه في أسيوط إبان رئاسته لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب لدوافع تبدو عبثية لكنها منطقية لعصر اتسم بالفساد وعدم الاكتراث بحقوق المواطنين ولا بقيمة الانسان.. أحبط عز حلم الأسايطة حتي لا يتحقق انجاز يحسب لمحافظها العزبي الذي كان يكره استقلالية قراره.
بعد العزبي تواصلت معركة تنفيذ المشروع حتي صدور قرار جمهوري من المجلس العسكري في عهد المحافظ سيد البرعي ممهور بتوقيع المشير طنطاوي بتخصيص 3800 فدان لمحافظة أسيوط للمشروع.. لكن تعثر التنفيذ لنقص التمويل الذي لا تملكه في الواقع محافظة أسيوط.. ما جري بعد ذلك يحسب لشجاعة وجدية ودأب المحافظ الشاب ياسر الدسوقي.. في أول زيارة لرئيس الجمهورية إلي أسيوط أعلن السيسي للحاضرين ان المحافظ لم يتوقف خلال ثلث ساعة امضاها معه داخل السيارة التي اقلته من المطار إلي خيمة المؤتمر عن الحديث في أهمية هذا المشروع لمواطني أسيوط.. ثم اسفرت الأفكار والجهود عن تعديل القرار الجمهوري السابق بقرار جديد يزيد المساحة المخصصة للمدينة إلي 6 آلاف فدان ونقل تبعيتها إلي هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة القادرة علي تدبير التمويل اللازم للطريق والبنية التحتية المطلوبة مع احتفاظ محافظة أسيوط بنسبة 15% تواجه بها الاحتياجات الخاصة لبسطاء أسيوط المحافظة الأكثر فقرا في حين أسعار عقاراتها تناطح أرقاما عالمية تتجاوز 200 ألف جنيه للمتر المربع الواحد.
الشكر واجب لكل من شارك وساهم في خروج مدينة ناصر إلي النور.. علي أن هناك ملاحظتين أوليين علي التنفيذيين تداركها بسرعة.. الأولي ان اقتصار الطرح الأول علي 250 قطعة أرض فقط هو أمر من قبيل العبث والتعذيب لأن هذا العدد لا يمثل أي نسبة منطقية لحجم الطلب المتوقع ويجب زيادته 10 أضعاف علي الأقل مع ادراكنا بأن هناك دفعات ومراحل أخري متتالية وفقا لما ذكرته المهندسة إيمان علي مدير عام التخطيط العمراني بأسيوط.. والملحوظة الثانية ان مصممي طريق الهضبة لم يأخذوا في الاعتبار انشاء كوبري علوي عند نقطة تقاطعه مع طريق الغنايم وشريط السكة الحديد اقتصادا في النفقات دون اعتبار للتحول المتوقع لحركة المرور الكثيفة بين أسيوط وكل الطرق السريعة للصعيد إلي محور الهضبة الجديد بمجرد تشغيله لأنه يختصر المسافة إلي النصف فضلا عن تفادي مناطق الزحام.
سنتابع معكم تطورات هذا المشروع الحيوي الذي يحتاج الالتفاف حوله لنحميه من السقوط في براثن الفساد والعشوائيات.. علينا ألا نسمح لأحد بأن يفسد حلمنا مجددا.