المصريون
ربيع عبد الرؤوف الزواوي
سورة الفلق... بيان لأنواع الشر
قال: انتظرتك كثيرا أن تفعل مع (سورة الفلق) كما فعلت مع (سورة الناس)... قلت: توقعت منك ذلك مذ رأيتك اليوم... سورة الفلق يا سيدي أعجب وأعجب.. وليست والله تعويذة وفقط كما يعتقد البعض... هذه السورة يا سيدي، تضمنت - مع قضية الربوبية والخلق - بيانا بجميع أنواع الشرور، الشرور العامة والخاصة... ووجوب الالتجاء إلى الله منها... وقد جاءت في محاور خمسة مهمة، تشمل قضايا عظيمة... قال: لا مش فاهم... قلت: أما قضية الربوبية والخلق في لفظي (رب) الناس ومن شر ما (خَلَق)... فواضحة كما تقدم في (سورة الناس)... ولا داعي لإعادة الكلام فيها... وأما المحاور الخمسة التي أقصدها فهي: - ((الفلق)): وهو كل ما انفلق من (حَبّ ونوى) فخرج منه زرع أو شجر أو نخل... والفلق أيضا هو الصبح ينفلق عن الليل... وعن المعنى الأول جاء قوله: (إن الله فالق الحبّ والنوى)... وعن المعنى الثاني جاء قوله: (فالق الإصباح)... ومعنى (الفلق) هنا في سورة الفلق يشملهما معا... فالله رب هذا ((الفلق))... وأنت مأمور بأن تلتجئ وتعتصم بربه. - ((ما خلق)): وهذا يشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات... فيستعاذ بخالقها، من الشر الذي فيها... وما أخطره وما أفظعه... والله وحده هو خالق كل شيء ومدبر أمره... وأنت مأمور بأن تلتجئ إليه سبحانه وتعتصم به من شر كل ما خلق. ثم خصّص الله جل وعلا ثلاثة أنواع من الشرور كلها لخطورتها وهي: - ((الغاسق إذا وقب)): الغاسق إذا وقب: الليل إذا أظلم... أي نلتجئ إلى الله من شر ما يكون في الليل، حين يغشى الناس، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة واللصوص، والحيوانات المؤذية... والغاسق إذا وقب: القمر إذا غاب: أي نلتجئ إلى الله من شر القمر إذا غاب وأظلم الكون... - ((السِّحْر والسَّحَرة)): فأمرنا الله أن نلتجئ إليه من شر السواحر، اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر... - ((الحسد)): والحسد هو أبشع أمراض القلوب، والحاسد، هو الذي يحب زوال النعمة عن آخر... فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فأمرنا الله بالاستعاذة به من شره، وإبطال كيده... ويدخل في الحسد العين، لأنها لا تصدر إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس والعياذ بالله... لاحظ أن الله سبحانه ذكر الشر عموما فقال: (من شر ما خلق) ثم خصص فذكر ثلاثة من هذا الشرور على وجه الخصوص... ذكر الله عز وجل: - (الغاسق إذا وقب) و - (النفاثات في العقد) و - (الحاسد إذا حسد)... ذلك لأن البلاء كله في هذه الأحوال الثلاثة... لأنه يكون خفيًا فيها فلا يمكن اتقاؤه إلا بالالتجاء إلى الله عز وجل. هذا... ولا يفوتني أن أنبه إلى أن البعض يختلط عليه أحيانا الفرق بين الحسد والعين... فأما الحسد فهو كما تقدم مرض قلبي أساسه الحقد وعدم الرضا بقضاء الله وعدله، ولا يضر الحسد المحسود إلا إذا نتج عنه فعل ضار؛ ولذلك جاء في السورة الكريمة (ومن شر حاسد إذا حسد) أي إذا تحول حسده لفعل... وأما العين فتكون بنظرة العين ولا يشترط أن يكون معها فعل أو قول، وهي حق... ويبالغ قوم فيجعلون العين أساس كل بلاء، وينكرها قوم ويستهجنون من يقولون بها.. والحق والعدل وسط بين هؤلاء وهؤلاء... عموما... فإن (سورة الفلق) تتمحور حول التحصُّن والاعتصام بالله من الشرور الظاهرة والخفية... ومعناها باختصار: قل - أيها الرسول - أعتصم بربّ الصبح، وأستجير به() من شرّ ما يؤذي من المخلوقات() وأعتصم بالله من الشرور التي تظهر في الليل من دواب ولصوص() وأعتصم به من شرّ السواحر اللائي يَنْفُثْن في العُقَد() واعتصم به من شرّ حاسد إذا عمل بما يدفعه إليه الحسد والعياذ بالله. فاللهم إنّا نعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته...
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف