المصريون
جمال سلطان
لا تتركوهم يصادرون القضاء والأزهر
تعاني مصر حاليا من هموم بالغة الثقل والخطورة في الاقتصاد وجنون الأسعار والبطالة والبنية الأساسية والأمن والصحة والتعليم والفساد واسع النطاق ، ولكن برلمان عبد العال لا يرى أي أولوية لهذه الهموم كلها ، ويرى أن الأولوية القصوى هي لتعديل قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية الثلاث بما يضمن السيطرة الكاملة لقصر الحكم على سلطة القضاء بمنح الرئيس الحق منفردا في اختيار من يرأس الهيئة القضائية ، بعد أن كان الأمر موكولا إلى الهيئات القضائية نفسها في قاعدة مستقرة تضمن الحيدة والنزاهة واستقلال القضاء بأن يتولى أقدم الأعضاء ـ تلقائيا ـ رئاسة الهيئة القضائية ، ويصدق عليه رئيس الجمهورية فقط ، والتعديلات الجديدة تحول القضاء إلى أداة في يد صاحب القصر يوظفها ويحركها كيف يشاء وتصبح طوع إرادته وقراره السياسي . أيضا ، يهتم البرلمان هذه الأيام "بالحفر" في منصب شيخ الأزهر ، بحيث يلغي حصانته أولا ، ويلغي استقرار منصبه ثانيا وعدم جواز عزله حسب ما قرره الدستور ، ثم يعدل نظام اختياره بما يجعله ـ عمليا ـ خارج إرادة هيئة كبار العلماء بالأزهر ، بما يحول الأزهر إلى مجرد أداة في يد السلطة وقصر الحكم يوجهها كيف يشاء ويستخرج منها ما يشاء من أحكام ومواقف وسياسات تخدم إرادته المنفردة . هناك مواقف قد لا يقبلها البعض في القضاء ، وهناك أخطاء أيضا ، بحكم أننا جميعا بشر ، ولسنا ملائكة ، وكذلك هناك مواقف قد لا يقبلها البعض من الأزهر المؤسسة والشيخ ، ولكن في النهاية نحن أمام مكتسب انتزع في لحظة غفلة من صاحب القصر أو لحظة ضعف لم تكن تتيح له إغضاب تلك المؤسسات لأنه كان يحتاج إليها في موقف صعب على صعيد إثبات شرعية النظام الجديد ، وتم تحصين وتعزيز استقلال القضاء واستقلال الأزهر ، ولما بدأت تظهر بعض مؤشرات على "استقلال" حقيقي للقضاء واستقلال حقيقي للأزهر ، وحدث صدام من نوع ما ، استعصى فيه القضاء والأزهر على إرادة السلطة السياسية وأحرجاها ، اكتشف القصر أن الدستور تمت صياغته "بحسن نية" حسب قوله ، أو بالمعني الحقيقي "أفلتوا من قبضتنا" ، ولذلك تنشط الآن محاولات تفتيت هذا المكتسب الوطني ، استقلال القضاء واستقلال الأزهر ، لكي يتم سحق أي إرادة مصرية مؤسسية مستقلة أو قادرة على أن تقول : لا ، في أي موقف أو قرار أو سياسة ، وتحركات البعض في البرلمان ليست بمبادرات ذاتية منفردة ، ليست بنات أفكارهم ، نعرف ذلك ، ويعرفه أصحاب الشأن أيضا . لا ينبغي أن نسقط في الخطأ القديم ، عندما يأخذنا الغضب أو الضيق من بعض المواقف في القضاء أو الأزهر لإدارة ظهرنا لمعركتهم ، وتركهم يواجهون "المؤامرة" وحدهم ، فنحن الخاسرون في النهاية وبالأصالة ، وسيدفع الوطن كله ومستقبل أجياله ثمن هذا الخذلان لو حدث ، وسنضيع البقية الباقية من مكتسبات ثورة يناير التي انتزعناها وضاع معظمها في ريح الاستباحة ، وسنخسر حصنين كبيرين يمثلان ـ رغم كل شيء ـ درعا للشعب وحصنا للوطن من تغول السلطة واستبداد القصر ، وقد لا يتاح لنا أن نسترد تلك المكتسبات المؤسسية إلا بعد عشرات السنين ، وبعد دفع ثمن أكثر فداحة مما دفعناه أمس واليوم . المجلس الأعلى للقضاء أعلن بالإجماع رفضه لمقترحات القانون الجديد ، وأكد تمسكه بالحقوق الدستورية الواضحة التي تؤكد على أن الجمعية العمومية ـ وحدها ـ هي التي تختار رئيس الهيئة القضائية ، وكذلك أكد الأزهر على رفضه أي محاولات للمساس باستقلاله ومنصب شيخه ، وسخر الدكتور أحمد الطيب من تلك "الألاعيب" دون أن يسمي أشخاصها ، واعتبرها مضيعة للوقت وعبثا ، وبقي أن يكون لكل القوى الوطنية الشريفة وكل الأصوات الحريصة على هذا الوطن وتوازن السلطات فيه ، أن تتضامن مع المؤسستين ، القضاء والأزهر ، في وجه الحملة الظلامية الجديدة ، لا ينبغي أن نفرط في أي مكتسب مؤسسي في تلك اللحظة القاسية ، التي يخسر فيها الوطن والمواطن يوميا المزيد من مساحات الحرية والاستقلال والكرامة والأمل .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف