مدبولي عثمان
من يوقف مسلسل إهدار الثروات..؟!
يبدو أن إهدار ثروات مصر عمل متعمد وممنهج منذ عقود طويلة ولا يزال مستمرا حتي الآن والإهدار مفهوم أوسع بكثير من السرقة بل إن السرقة تعد جزءا بسيطا من الاهدار الذي يطول كل ثروات مصر المادية والبشرية.
يكفي أن نعلم أن الأموال العامة المهدرة والمتراكمة خلال سنوات طويلة في الهيئة العامة للمجتمعات العمرانية بلغت879,6649 مليار جنيه وفقا لتقديرات الجهاز المركزي للمحاسبات أكبر جهاز رقابي في مصر وقد وثق الجهاز هذا الرقم المخيف في دراسة اصدرها عام 2015 بعنوان "تكلفة الفساد" في عهد رئيس الجهاز السابق المستشار هشام جنينة.
كشفت الدراسة أن أكبر الاموال المهدرة كانت في مدينة 6 أكتوبر وبلغت 408,4549 مليار جنيه منها 291,5529مليار مخالفات تخصيص في منطقة الحزام الاخضر والتعديات علي حرم المدينة تليها الإهدارات بمدينة السادات وبلغت 174,2 مليار جنيه أما الفساد المالي والإداري في مخالفات التخصيص وتنفيد الأعمال في ديوان عام الهيئة وبعض أجهزة المدن التابعة لها تسبب في إهدار أموال عامة تقدر بحوالي 247مليار جنيه.
وخصصت الدراسة 135 صفحة "من صفحة 11- 145 " لنشر تفاصيل مخالفات هيئة المجتمعات العمرانية التي يعود بعضها لاكثر من 15 عاما دون معالجتها او العمل علي تلافيها.
وثقت دراسة الجهاز المركزي للمحاسبات إهدار المال العام في الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية والذي بلغ في حالة واحدة 67,1 مليار جنيه وجاء في الصفحة 147 النص التالي : "بلغ اجمالي ما أمكن حصره من المساحات التي تم تغيير النشاط بها من الاستزراع النباتي إلي البناء السكني بطرق مصر الاسكندرية والاسماعيلية والسويس نحو87.8 ألف فدان تمثل 368,8 مليون متر مربع وتم تقدير قيمة تلك المساحات طبقا للبند رقم 9/ 27في اجتماع مجلس ادارة الهيئة بتاريخ 6 / 11/ 2012بنحو 67,2 مليار جنيه . مسدد منها نحو 204.5 مليون جنيه فقط تمثل نسبة 0,3 % من اجمالي قيمة مخالفات المساحات التي تم تغيير النشاط بها وبذلك تصبح المبالغ التي لم يتم تحصيلها نحو 67,1 مليار جنيه¢.
اتهمت الدراسة الهيئة بالاهمال الجسيم في تحصيل المستحقات لدي الغير وتجاهل ملاحظات الجهاز التي تتكرر كل عام وعدم معالجتها بالرغم من تشكيل لجنة العملاء بالقرار رقم 388 في 15/ 4/ 2012.
تضمنت دراسة الجهاز المركزي حوالي 348 صفحة رصدت بدقة إهدارات المال العام الناجمة عن الفساد وسوء الادارة في الهيئات العامة ومعظم قطاعات الدولة وفي المحافظات وأوضحت أنه تم ارسال تقارير مفصلة عن هذه الاهدارات الي أجهزة التحقيق والمتابعة في الجهات العليا . ولم تصدر اي معلومات عن الاجراءات التي تمت بشأنها.
هناك إهدار آخر للثروة المصرية قليل ما نلتفت إليه وهو تكلفة الفوضي والازدحام المروري . وذكرت دراسة للبنك الدولي صدرت مؤخرا بعنوان "دراسة الازدحام المروري في القاهرة" أن التكاليف السنوية للتكدس المروري في القاهرة وحدها حوالي 50 مليار جنيه ويمثل هذا المبلغ حوالي 4% من اجمالي الناتج المحلي لمصر وهي تكلفة عالية جدا اذا علمنا أن النسبة العالمية تبلغ 1% من اجمالي الناتج المحلي لتكلفة التكدس في المدن الكبري المماثلة.
وأوضحت الدراسة أن هذه الخسارة تشتمل التكاليف المباشرة علي نقص الإنتاجية بسبب قضاء أوقات طويلة في المرور والانتقال من وإلي مكان العمل. وزيادة استهلاك الوقود من جراء طول فترات التوقف والآثار البيئية الناجمة عن زيادة الانبعاثات من المركبات. وهناك أيضا تكاليف غير مباشرة مثل آثار التدهور البيئي علي الصحة العامة. ولم تحسب الدراسة نقص الانتاجية بسبب إرهاق العامل المصري لعدم توافر وسائل نقل مريحة. أما الاهدارات التي لا تقدر بثمن فهي ضحايا الحوادث المرورية . واشارت الدراسة إلي أنه ما لا يقل عن 1000 من سكان القاهرة يموتون كل عام في حوادث مرورية . أكثرهم من المارة. بينما يتعرض ما يزيد علي 4000 آخرين لإصابات. وهي معدلات أعلي كثيرا من تلك التي تم تسجيلها في معظم المدن الكبري الأخري في العالم.
وإهدار آخر يكاد يكون منسيا. يتمثل في تلوث البيئة. فقد أشارت دراسة للبنك الدولي أيضا إلي أن التلوث البيئي يكلف مصر خسائر تقدر بحوالي 14,4 مليار جنيه سنويا.
هناك اهدارات اخري كثيرة .أهمها الخسائر الاقتصادية الناتجة عن تدهور الحالة الصحية للمصريين وهي تكلفة مزدوجة تتمثل في نقص انتاجية المريض وفي تكلفة علاجه.
التحرك بجدية وشفافية وإخلاص لوقف هذه الإهدارات كفيل بتوفير نفقات بناء نهضة مصرية كبري بقدراتنا الذاتية دون رهن إرادتنا للقروض الخارجية.پ