عماد رحيم
كيف نتحكم فى سعر الدولار؟!
ما يحدث فى سوق الصرف الآن يشبه إلى حد كبير الحال بين القط والفأر، فالمثل الدارج يقول: «إن غاب القط يلعب الفأر»، قرارات كثيرة تم اتخاذها كان الغرض منها السيطرة على هذا السوق الحيوى بهدف إحكام قبضتها عليه، حفاظاً على قيمة الجنيه، ودون الدخول فى تفاصيلها التى أضرت أكثر مما أفادت، يجىء الدليل بما وصل إليه السعر الحالى لعملتنا الوطنية، الذى ما إن نأمل فى استقراره حتى نفاجأ بهبوط قيمته دون مبرر منطقى.
فالمبررات التى تساق الآن لتفسير ارتفاع سعر الدولار، تدور حول ضرورة جمع الدولار من أجل استيراد مستلزمات الشهر الكريم، علما بأنه قد تم إقرار بعض الإجراءات المسيطرة على الاستيراد، مثل أن يفتح المستورد اعتماداً مستندياً بقيمة البضاعة المستوردة، وهنا موافقة البنوك على فتح الاعتماد تعنى موافقة ضمنية من البنك المركزى على استيراد هذه البضاعة، ويلى فتح الاعتماد، البدء فى الاستيراد ويتبع ذلك التخليص الجمركى للبضاعة بعد وصولها، وأهم شروطه وجود أوراق الاعتماد االمستندى الذى يحدد نوع البضاعة وكميتها وقيمتها، وبمطابقة البضاعة مع الأوراق والتأكد من سلامتها تماماً، يتم السماح بدخولها إلى الأسواق.
ومع الصرامة المفترضة فى تطبيق الإجراءات الموضوعة، لتبسط الحكومة سيطرتها الكاملة على كل ما يتم دخوله البلاد، يكون من المستهجن طرح منتجات استفزازية تكرر الحكومة رفض وجودها فى السوق المصرى من باب الترشيد! ونحن هنا أمام أحد احتمالين، الأول، موافقة الحكومة على الاستيراد تحت زعم وجود اتفاقيات دوليه تقيدها فى إجراءاته، وردى على هذا الاحتمال، أنها تستطيع وفق بيروقراطيتها المعروفة الحول دونه، أما الاحتمال الثانى، فهو الإحكام غير الجيد لدائرة الاستيراد التى تبدأ من فتح الاعتماد المستندى وتنتهى بالتخليص الجمركى، والتى تسمح بوجود بضائع كثيرة غير مطلوبة، يستلزم شراؤها الحصول على العملة الصعبة بكميات وفيرة، بما يعنى زيادة الطلب على الدولار ومن ثم ارتفاع سعره مقابل الجنيه الذى ما زال يعانى سوء الأوضاع الاقتصادية والقرارت الإدارية غير المجدية والمرتبكة أو المتضاربة أحيانا التى أودت به إلى هذا الانخفاض الكبير.
وللتدليل، الحكومة تجرم التعامل فى السوق الموازى، وتسمح للمستورد بتغطية قيمة بضاعته التى يرغب فى استيرادها بالكامل من خلال إيداع دولارى لكامل قيمتها أياً كانت، ولا تسأله عن مصدر هذه الدولارات، لأنها تعلم ونحن أيضا أن السوق السوداء هى المصدر، فبماذا نسمى هذا التضارب، وكيف يمكن لنا قبول العمل وفق هذه المنظومة الغريبة؟
لذلك، سيظل السوق الأسود للعملة الصعبة موجوداً شامخاً، يظهر تارة ويخفت أخرى حسب الحاجة لحصد الدولار، فما العمل إذن لوضع آلية لتنظيم سوق الصرف و التحكم به بشكل كامل، وغلق الأبواب فى وجه المتاجرين والمتربحين بدماء الناس، المتعاملين مع الدولار على أنه سلعة مربحة جدا، يجاهدون بشتى الطرق لبث الحياة فيه مهما كلفهم الأمر؟
الحل يأتى من خلال التجريم العملى وليس الاسمى للسوق الأسود، وذلك من خلال وضع ضوابط صارمة تماما لسوق الصرف، أولها، إعطاء مهلة ولتكن شهراً تسمح لكل حائزى الدولار ببيعه فى البنوك، تلى هذه المهلة مطالبة بائع الدولار بإثبات سند ملكيته، بصورة أوضح تطبيق مبدأ من أين لك هذا، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك كثيرين يمتلكون عملة صعبة سواء العاملون بالخارج أو غيرهم يستطيعون إثبات كيفية الحصول على هذه الدولارات بشكل سليم، وهكذا يمكن القضاء على أى طريقة لغسل الأموال، ثانياً، تكليف البنوك بتوفير العملة الصعبة لأى عملية استيرادية، وفى هذه الحالة يضع المستورد قيمة البضاعة الراغب فى استيرادها بالجنيه فقط، ليكون البنك هو الملجأ والمخرج لبيع الدولار وتوفيره، وبهذه الطريقة لن يوجد أى مجال للسوق الأسود للعملة.
بهذه الكيفية، تستطيع الدولة التحكم تماما فى سوق الصرف، بل والقضاء على أى سوق مواز، بحيث تكون البنوك السبيل الوحيدة للتعامل فى العملة، ولكن كيف تكون طريقة التنفيذ التى تتطلب توافر رصيد معتبر من الدولار؟ هل نحتاج فى البداية إلى تنشيط السياحة بطرق علمية من خلال برامج دعائية مبهرة يتم توجيهها لكل دول العالم وليس الروس فقط! يكون الهدف منها جذب السائح لزيارة مصر ومشاهدة آثارها التى تعادل ثلث آثار العالم، فنحن نملك كنزاً ثميناً ننفرد به ولا نعرف الاستفادة منه.
أم نحتاج إلى التركيز على الصناعات الصغيرة بدعمها بشكل عملى وإتاحة المجال أمام صناعنا المهرة، وهنا يمكن لنا اصطياد عصفورين بحجر واحد.
الأول، تقليل الاعتماد على المستورد، الثانى، استثمار انخفاض سعر الجنيه، وفتح المجال لصناعتنا للمنافسة فى الخارج، وفى هذا الصدد، يمكن للبنوك الوطنية القيام بدور مذهل.
فعلى سبيل المثال، نحن نمتلك صورة ذهنية طيبة للقطن المصرى، فماذا يمنعنا إذا اتخذنا من صناعة المنسوجات نموذجا فعالا بدعمها وتوفير كل مستلزماتها، بدلاً من تصدير القطن ثم استيراد الملابس؟ وبالتالى توفير الكثير من العملة الصعبة!
وأخيراً أتمنى أن ينهض القط ويشمر عن ساعده، مظهراً عينه الحمراء لكل الفئران، مع اتخاذ قرارات جريئة مثل ما سبقت الاشارة إليه، على غرار قرار تعويم الجنيه، من شأنها دعم الجنيه وتعويم الدولار.