نحن فى حاجة الى العديد من القواميس السياسية ؛ونفس طويل مفعم بقدرات غير عادية من التحمل والصبر، لمتابعة تصريحات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ووزرائه، التى تحتاج الى خبراء فك شفرات دوليين لتحليل مضمونها، واستخلاص العبر السياسية منها، وخاصة أن تلك التصريحات تثبت الأيام عن كونها مجرد «بالونات اختبار»؛ مستخدمة من قبل النظام الأردوغانى للاستيلاء على المزيد من القروض والمنح؛ واللعب على وتيرة حلم الانضمام الى الاتحاد الأوروبى الذى أصبح بعيد المنال، وخاصة أن أوروبا خرجت عن بكرة أبيها مؤخرا ضد إرهاصات أردوغان ورجاله.
فأردوغان يفعل الشيء وعكسه بخصوص الملف السورى من خلال تصريحات عنترية، ومواقف هزلية، وسياسة تنطوى على الكثير من المفاجآت المليئة بالتناقضات، فنجده يتهم الولايات المتحدة الامريكية بدعم الجماعات الارهابية، ومن ضمنها «الدولة الاسلامية»، ووحدات حماية الشعب الكردى، وحزب الاتحاد الديمقراطى الكردى، ويصول ويجول فى تصريحاته ويتحدى، بأن لديه ادلة مؤكدة بالصور والتسجيلات المصورة ضد أمريكا. ثم لا يظهر أى أدلة ومستندات؛ ويعود من جديد ويعلن مساندته لأمريكا للقضاء على الارهاب، بل إنه يتناسى دوره فى دعم داعش داخل سوريا.
ويحاول ممارسة لعبة البطل القومى بانتهاج سياسة الهياج التركى ضد الدول الأوروبية كسياسة متعمدة منه لتأجيج الشعور القومى عند مؤيديه، مما جعل العلاقات بين تركيا والأسرة الأوروبية تتهاوى باستمرار منذ محاولة الانقلاب التركية، وانزلاق تركيا أكثر فأكثر نحو الحكم الاستبدادى وخصوصا بعدما شملت الاعتقالات أكثر من مائة ألف تركى. لتصبح الأردوغانية عنوانا لكل خدعة، تحول بين وصول أى رجل سياسة أو رجل دولة يأتى فى انتخابات حرة باسم دمقرطة النضال ضد الوصاية العسكرية على السلطة، وتجعل أردوغان بعد السماح له بالوصول لما يريد ديكتاتورا يفعل عكس ما كان يدعيه فى السابق.
وفى الحقيقة أن أردوغان رجل مريض بداء الإرهاب يوزع تهديداته يمينا ويسارا ويدعم الجماعات الإرهابية علنا ويقيم لها معسكرات التدريب ويطلقها باتجاه دول الشرق الأوسط، ثم يستقبل موجات النازحين العرب فى مخيمات اللاجئين، ليستخدمهم كورقة ابتزاز وتهديد ضد الدول الأوربية مجددا ؛مستخدما معاركه الدونكيشوتية بإطلاق آلاف الأتراك فى شوارع أوروبا. رغم أن بعضهم يحمل الجنسية الألمانية أو الهولندية، بل وبعضهم أعضاء فى البرلمانات والمجالس المنتخبة، ثم يصف جيرانه بالنازيين والفاشيين، وهما صفتان يعرف الذين عاشوا فى أوروبا بشاعتهما فى مجتمعات ديمقراطية، لها وجهها الإنسانى الحقيقى.
وبالطبع تلك ليست المرة الأولى التى يلجأ فيها لتكتيك «شد العصب القومى» لدى الأتراك لتحقيق أغراض سياسية، انتهازية بالأساس. لكسب تأييد الطبقة القومية من الشعب التركى وتحريك مشاعرهم التى اختفت منذ فترة بسبب الأوضاع السيئة فى البلاد. الرئيس أردوغان كان يتهم الروس وطائراتهم بقتل الشعب السورى ايضا، وها هو يتحالف معهم ، ويطبع علاقاته مع الاسرائيليين الذين لم يكتفوا بقتل الشعب الفلسطينى واحتلال ارضه على مدى سبعين عاما، بل يقومون بتهويد مدينة القدس المحتلة، ويريدون هدم المسجد الاقصى لإقامة هيكل سليمان على أنقاضه. والجميع يعلم أن اتفاقية استئناف العلاقات التركية الإسرائيلية بعد 6 سنوات من القطيعة والتوتر كشفت خداع أردوغان وتزويره للحقائق رغم جميع شعاراته التى تنطع بها طوال حكمه.
وكل شيء ينتهى ويزول إلا أطماعه التوسعية التى أدت إلى تفجير الأزمات فى المنطقة، وممارسة سياساته الخداعة تارة علانية، وتارة أخرى بارتداء الأقنعة. فهل يستطيع أحد نسيان خطابه فى إسطنبول فى 4 مارس 2006، متحدثاً عن مشروع الشرق الأوسط الكبير والدور التركى فيه، مؤكداً أن تركيا صاحبة دور مهم وكبير فى الشرق الأوسط الكبير، وأنها صارت جزءاً لا يتجزأ ممن أطلقوا فكرة مشروع الشرق الأوسط الكبير ومشروع شمال أفريقيا، وبعد ذلك يتكلم عن دعمه للديمقراطية والوقوف أمام الإمبريالية العالمية التى يعد أردوغان أحد رجالها المخلصين.