المصريون
جمال سلطان
دلالات نتائج انتخابات نقابة الصحفيين
عقدت أمس انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين ، لانتخاب ستة أعضاء من أعضاء المجلس الاثني عشر ، وانتخاب نقيب الصحفيين الجديد أيضا ، كان الانتخابات هذه المرة لها رمزية مختلفة عن المرات السابقة ، نظرا لحالة الاحتقان بين الصحفيين على خلفية قيام قوات الأمن باقتحام النقابة لإلقاء القبض على الزميل عمرو بدر ، في سابقة لم تحدث في تاريخ نقابة الصحفيين منذ إنشائها ، وذلك بعد مظاهرات تيران وصنافير التي أفزعت مؤسسة الرئاسة ، كما تمت إحالة النقيب يحيى قلاش وجمال عبد الرحيم وخالد البلشي ـ أعضاء المجلس ـ للمحاكمة بتهمة "إيواء" الصحفي في النقابة وهو مطلوب للتحقيق ، وهذه أول مرة توجه تهمة من هذا القبيل إلى نقيب الصحفيين وأعضاء المجلس ، ولذلك كان كثيرون ينتظرون انتخابات أمس لرصد مؤشرات الحالة الصحفية وتوجهات الصحفيين ، وما إذا كانت النتيجة ستمثل في أحد وجوهها ردا على السلطة وتحديا لها .
لم يوفق يحيى قلاش في الاحتفاظ بمنصب النقيب ، فخسره لصالح عبد المحسن سلامة ، وهذه خسارة رمزية للتيار المقاوم لانتهاك كرامة نقابة الصحفيين ، باعتبار أن يحيى يمثل هذا التيار في تلك الواقعة ، لكن سلامة أكد مرارا أنه ملتزم بالدفاع عن كرامة النقابة وأعضائها والمؤكد أن من صوتوا لهم يثقون في جديته في هذا الأمر ، غير أن النتيجة التي حققها يحيى قلاش والتي اقتربت من ألفين صوت تمثل نتيجة مشرفة جدا له ، وتعنى وجود كتلة كبيرة بين الصحفيين غاضبة مما حدث ، وقد لاحظت أن كثيرين صوتوا ليحيى على خلفية تلك الأزمة بغض النظر عن أدائه السابق في المجلس أو برنامجه الجديد ، كما أن الكثير مما خسره الزميل العزيز يحيى قلاش كان بسبب ما يمكن وصفه بالتصويت العقابي ، لأن الاحتشاد الناصري خلفه كان فجا في بعض أبعاده ، ووضعه في خندق الاستقطاب الأيدلوجي ، وهذا أضر به ، وربما نفر كتلة انتخابية مهمة من انتخابه ، لأن من الواضح أن القبول السياسي أو النقابي للتيار الناصري تقلص بصورة كبيرة ، وكان ذلك واضحا عندما عجز القطب الناصري جمال فهمي سابقا عن تحقيق الحد الأدنى للعضوية ، بينما تفوق عليه صحفيون جدد بلا تاريخ نقابي ، كما خرج في هذه الانتخابات أيضا الزميل كارم محمود النقابي العريق ، وبذلك خسر الناصريون جميع مقاعدهم في نقابة الصحفيين ، وأصبحت النقابة ـ للمرة الأولى ـ خالية من جناحيها اللذين طالما هيمنا عليها طوال العقود السابقة : الإخوان والناصريين ، وفي كل الأحوال خرج يحيى قلاش من النقابة بتاريخ مشرف ، فهو نقابي مرموق ووافر الاحترام ، كما أنه حقق إنجازات لا تنكر إضافة إلى موقفه الصلب المدافع عن كرامة النقابة حتى لو دفع الثمن ، وهو ينتظر حكما قضائيا قريبا .
في المقابل ، حقق عمرو بدر المفاجأة وفاز بعضوية مجلس نقابة الصحفيين ، وهو نفسه الصحفي الذي اقتحم الأمن النقابة للقبض عليه ، وهي رسالة بالغة القسوة من الجماعة الصحفية ، تعني رفضها الكامل لما حدث ، وتضامنها ـ ليس مع عمرو وحده ـ وإنما مع كرامة النقابة وكرامة الصحفيين المهددة ، وبلا شك مثل فوز عمرو بدر صدمة كبيرة للسلطة وأجهزتها ، كما كان فوز الزميل جمال عبد الرحيم ، وهو أحد الثلاثة الذين أحيلوا للمحاكمة على خلفية تلك الأزمة ، رسالة أخرى قوية ، تعني التضامن واسع النطاق مع الزملاء ، وجمال معروف بصلابة موقفه في تلك الأزمة وفي أزمات نقابية أخرى عديدة ، بينما خسر خالد البلشي مقعده ، رغم أنه فاز ـ عمليا ـ لأنه حصل على قرابة ألف صوت انتخابي ، وهو أعلى من أصوات ثلاثة من الذين فازوا بالعضوية ، لكن لأن قواعد الانتخابات تحتم اختيار ثلاثة أعضاء تحت السن ، لذلك تم تجاوزه لأنه فوق السن ، ولكنه خرج بشرف بتلك النتيجة الجيدة .
فوز محمد خراجة ومحمد سعد عبد الحفيظ مثل رمزية أيضا في نجاح الكفاءات المستقلة ، وكذلك فوز الوجوه الجديدة حسين الزناتي وأيمن عبد المجيد ، وكلاهما يحظى باحترام كبير بين الصحفيين .
الزميل عبد المحسن سلامة ، الفائز بمنصب النقيب الجديد ، هو أيضا صاحب تجربة نقابية جيدة ، وينتمي إلى مؤسسة الأهرام بكل عراقتها وثقلها ، كما أنه قدم برنامجا انتخابيا ثريا ومثقلا بالوعود في تحسين أوضاع الصحفيين المالية والحقوقية وهي مسئولية جسيمة نسأل الله العون له على تحقيقها ، والحقيقة أن نجاحه يمثل امتدادا للإرث النقابي الشهير بجعل منصب النقيب لمرشح الدولة وتكون العضوية للمعارضة والمستقلين ، باعتبار أن منصب النقيب يحتاج إلى شخص له قبول من الدولة ومؤسساتها وأجهزتها لحل المشكلات واستجلاب ما يعين الصحفيين في حياتهم العامة والمهنية ، ونادرا ما خرجت الانتخابات عن تلك القاعدة .
الانتخابات كانت مشرفة لنقابة الصحفيين ، ولا أذكر أن حضر من قبل لجمعية عمومية للانتخابات مثل هذا العدد الذي وصل إلى أربعة آلاف وخمسمائة صحفي ، كما أن مجلس النقابة بتشكيله الجديد متوازن إلى حد كبير ، وأكثر بعدا عن الاستقطاب الأيدلويوجي ، وأثبتت النتائج أن الجمعية العمومية للصحفيين اهتمت بجانبين أساسيين : الحفاظ على كرامة النقابة ، ووضع النقابة في مسارها الأساسي كجهة رعاية لهموم المهنة وأصحابها .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف