العراق مسقط رأس أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام فهو من العبرانيين الذين عبروا من العراق إلى فلسطين.. وفى العراق ناظر عباد النجوم والكواكب وهزمهم بالحجة والبرهان.
وهى مسقط رأس ذى القرنين، ذلك الولى الصالح الذى أشاد القرآن بحكمته وعزماته فى الحق فى سورة الكهف.
وقد تحدث إمام أهل السنة أحمد بن حنبل عن عاصمة العراق قائلاً «بغداد هى مشهد موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسن بن على رضى الله عنهم جميعاً».
وقال المؤرخون عنها «بغداد جنة الأرض ومدينة السلام وقلعة الإسلام ومجمع الرافدين وغرة البلاد وعين العراق ودار الخلافة العباسية ومجمع المحاسن والطيبات ومعدن الطرائف واللطائف، وبها أرباب الغايات فى كل فن وآحاد الدهر فى كل نوع.. وهى حاضرة الدنيا وما عداها بادية.. فالدولة النبوية والخلافة الإسلامية بها عششتا وفرختا وضربتا بعروقهما وبسقتا بفروعهما.. وإن هواءها أغذى من كل هواء، وماءها أعذب من كل ماء، ونسيمها أرق من كل نسيم.. ولم تزل بغداد موطن الأكاسرة ومنزل الخلفاء».
يا عراق.. يا أرض الحكمة وبلاد دجلة والفرات وبلد المدائن وواحة الصحابة والأئمة والفقهاء والشعراء والأدباء والمفسرين، فالعراق موطن الفقهاء العظام أبوحنيفة والشافعى وأحمد بن حنبل، وقاضى القضاة أبويوسف تلميذ أبى حنيفة النجيب، ومحمد بن الحسن الشيبانى أول من أسس علم القانون الدولى العام قبل أن تعرفه أوروبا بقرون طويلة، ومن فقهائه العظام أيضاً جعفر الصادق وإبراهيم بن أدهم وعبدالله بن المبارك والحسن البصرى وابن الجوزى، وعشرات غيرهم لا يحصيهم مثل هذا المقال.
العراق أنجب أعظم علماء وأئمة التصوف والزهد ومنهم على سبيل المثال لا الحصر عبدالقادر الجيلانى وأبوبكر الشبلى وعبدالكريم الجيلى وسليمان الخواص ورابعة العدوية وإبراهيم بن أدهم، وهؤلاء هم الذين أسسوا علم وآداب وأخلاق التصوف الحقيقى الذى يجمع بين الظاهر والباطن ولباس التقوى وزينة الدنيا وصلاح القلب والجوارح والجمع بين الشريعة والحقيقة.
وبغداد هى مقر الخلافة العباسية، وهى أعظم خلافة تقدماً وحضارةً ورقياً بعد الخلافة الراشدة.. فقد شيدها وجلس على سدة عرشها خلفاء عظام مثل المنصور والرشيد والمعتصم والمأمون.
يا بغداد يا حاضرة الرشيد، ذلك الخليفة العظيم الذى كان ينظر من شرفته إلى السحابة ويناديها بقوله «شرقى أو غربى حيث شئت فسوف يأتينى خراجك»، فقد كان يحكم نصف الكرة الأرضية ويستطيع هزيمة النصف الآخر.
والعراق وطن المؤرخين العظام مثل الحافظ العراقى والمسعودى والطبرى والخطيب البغدادى وابن العربى والقلقشندى.
وهى التى خرجت أعظم علماء اللغة وقراءات القرآن وعلومه مثل الكسائى والزجاج والفراء والخليل بن أحمد مؤسس علم العروض وسيبويه رائد علم النحو والثعالبى وابن جنى وابن خلكان.
وهى التى أنجبت وأوحت للشعراء العظام بأعظم النظم والشعر مثل ابن الرومى والمتنبى والشريف الرضى والكميت وأبونواس.
يا عراق.. بلغ بك المجد قديماً شأناً ألزم العلماء أن يقولوا: «أى عالم أو شاعر أو مؤرخ خارج العراق ليس بشىء».. وحتى قالوا فى بغداد: «إنها كالأستاذ فى العباد.. فكيف هانت العراق اليوم على أهلها وأمتها العربية والإسلامية؟».
كيف أصبحت يا عراق موطناً مختاراً للقتل والذبح والكراهية والطائفية المقيتة والخوف والفزع والقلق؟
أين ذهبت حكمتك.. وأين ذهب علماؤك وحكماؤك وفقهاؤك وزهادك وعبادك ومتصوفوك؟
كيف عبثت الميليشيات الشيعية المتطرفة التى تقتل بالاسم فتقتل كل من تسمى باسم أبوبكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عائشة دون جريرة أو ذنب.. أو تقتل بالمذهب وتفجر مساجد السنة دون حياء أو خجل؟
وكيف عبث بأرض الخلافة تنظيم القاعدة أو «داعش» التكفيرى الذى أساء ويسىء للإسلام والذى مزق العراق تمزيقاً.. وقتل وذبح الأبرياء وفجر قبور الأنبياء مثل قبر نبى الله يونس وشيث (عليهما السلام) فى أول سابقة فى التاريخ كله ويفخر بذلك ويفجر مساجد الشيعة والأسواق فى حاضرة الرشيد.
كيف تحولت حاضرة المنصور إلى مضحكة للعالمين وساحات للقتل والذبح باسم الشريعة والإسلام براء من ذلك كله؟
كيف هدمت جحافل المتطرفين تمثال الخليفة المنصور وهو أقدم تمثال فى العراق؟
كيف تعاملت أمريكا وإيران بروح الانتقام الحضارى من العراق ومن حضارته العظيمة التى انتصرت على الحضارة الفارسية والغربية حيناً من الدهر.. فإذا بهم يردون الصاع صاعين؟
كيف غاب الأمن والأمان عن شوارعك وأسواقك وحلت التفجيرات والقتل والاغتيالات والدماء محلها؟
كيف تمزق العراق الذى كان يحكم العالم ويرشده ويعلمه إلى ثلاث دول ظاهرها التوحد وباطنها الشقاق، وكل منهم له ولاء خارجى.. بعضهم لإيران وبعضهم لتركيا وبعضهم لأمريكا وإسرائيل.. فأين استقلالك وكرامتك؟
كيف قتل علمائك الأفذاذ فى كل التخصصات النادرة وخاصة الفيزياء والذرة بواسطة الموساد.. وكيف فرطت فى الباقين ليهيموا على وجوههم فى كل مكان؟
كيف هجرك 4 ملايين عراقى شردوا فى البلاد تشريداً وأكثرهم لا يستطيعون العودة إليك خوفاً من الميليشيات الشيعية أو التكفيرية أو «داعش»، أو من الأجهزة الأمنية الطائفية التى تعمل لحساب دول أخرى أكثر مما تعمل لمصلحة العراق؟
يا عراق.. ماذا دهاك.. ولماذا غاب عنك العلم والعلماء، والفقه والفقهاء والشعر والشعراء.. ولم يبق فيك اليوم إلا القتل والدماء والقتلة والطائفية والطائفيون والتعصب المذهبى والحرب بالوكالة للخارج؟
يا بغداد.. أيتها الغالية الحبيبة.. يا من ترنو إليك أمتك وتنتظر يقظتك ووحدتك ورخاءك وتقدمك.. أما من أوبة إلى سابق مجدك.. أما من يقظة من رقدتك.. أما تغسلين يديك من دماء الأبرياء.. أما تعودين لتحتضنى العلماء والفقهاء والزهاد؟
إن أمتك فى انتظارك يا حاضرة الرشيد.