المساء
خيرية البشلاوى
رنات .. الصحفيون و"زائر الفجر"
يوم الجمعة "أول أمس" كانت نقابة الصحفيين في وسط البلد تموج بالحركة والصخب. يحيط بها رجال الأمن بالعشرات. ويتدافع داخلها آلاف الصحفيين الذين توافدوا للادلاء بأصواتهم في انتخابات النقيب ونصف أعضاء مجلس النقابة.
وبينما أنتظر النتيجة في منزلي في المساء أمضيت الوقت أمام فيلم قديم مضي علي انتاجه أكثر من أربعين سنة وكان قد تعرض بعد أسبوع واحد من عرضه للمنع. وبعدها مات مخرجه وماتت بطلاته وظل الفيلم نفسه نقطة بارزة علي خريطة السينما. وحين أفرج عنه وأصبح عرضه مباحاً حتي علي شاشات التليفزيون كانت سمعته تسبق عرضه ويحقق نسبة مشاهدة عالية.
أتحدث عن فيلم "زائر الفجر" الذي قام بتأليفه الدكتور رفيق الصبان ومخرجه ممدوح شكري وقامت ببطولته ماجدة الخطيب وعزت العلايلي. وشكري سرحان ويوسف شعبان وتحية كاريوكا وزيزي مصطفي إلي جانب مجموعة أخري من الممثلين المعروفين.
الفيلم يتناول التحقيق البوليسي المطول في مقتل صحفية في احدي المؤسسات تخضع يسرا لرقابة الأجهزة الأمنية بسبب آرائها اليسارية ونشاطها السياسي. وقتئذ استقبل النقاد الفيلم بحفاوة كبيرة وتعاملوا معه كأحد الأفلام السياسية الثورية المهمة في تاريخ السينما المصرية في حين تم منعه من العرض وحذفت لقطات منه الأمر الذي تسبب في خسارة كبيرة لمنتجته ماجدة الخطيب.
تم العرض الأول للفيلم عام 1973 قبل انتصار أكتوبر وكان المجتمع وقتها يموج بأجواء الرفض للهزيمة والإدانة للنظام بسبب تفشي الفساد وحالة اللا سلم واللا حرب ومن ثم يتعاطف مع أي تيار ثوري أو صوت يطالب بالمواجهة والحسم فما بالك بفيلم بطلته صحفية ثورية؟!
عند متابعة الفيلم بعد مرور هذه السنوات الطويلة علي عرضه ثم منعه وعرضه ثانية. تكتشف أن "زائر الفجر" اكتسب أهميته بسبب الفترة التي كان يعرض فيها حيث لم يكن النظام قادراً علي تحمل تأثير فيلم بطلته صحفية جريئة تهاجم النظام ومع ذلك خرجت بعده أفلام أكثر جرأة وسخونة وأقوي في هجومها علي النظام ورموزه وحالات الفساد التي أضعفت قدرته علي الصمود مثل فيلم "المذنبون" الذي يدور أيضاً حول مقتل ممثلة والتحقيق في الحادث وما يتكشف من جراء ذلك التحقيق من وقائع فساد.. وهو عن قصة لنجيب محفوظ وسيناريو ممدوح الليثي واخراج سعيد مرزوق.
وما يلفت النظر أثناء التحقيق في مقتل الصحفية الذي قاده وكيل النيابة حسن "عزت العلايلي" أن مظاهر الفساد التي أشار إليها الفيلم بدت خافته جداً أمام ما يتكشف الآن علي أيدي الأجهزة الرقابية. وأن الناشطة الصحفية التي ماتت خوفاً ولم يقتلها زوار الفجر. تبدو أقل ما لا يمكن قياسه مع "النشطاء" الذين شاركوا في ثورة 25 يناير وهاجموا مقار أمن الدولة.. وأن العلاقات المشبوهة بين أمثال "نانا" "تحية كاريوكا" والسلطة سبق أن أثارها بقوة لاحقاً فيلم "الراقصة والسياسي" الذي لم يتعرض للمنع الأمر الذي يعني أن الدولة لم تعد تخشي التأثير المحتمل لفيلم "ثوري" إلا إذا تجاوز في تعبيراته المنطوقة أو المرئية الآداب العامة أو تمادي في التجريح اللفظي.
"الصحفية نادية" التي لعبت دورها ماجدة الخطيب تبدو "غلبانة" جداً ومهذبة أمام نماذج من الصحفيين بل وأجيال الصحفيين الشباب الذين امتلأت بهم النقابة أول أمس.. وبالمثل ظهر وكيل النيابة في صورة "ناعمة" جداً وكذلك "شفيق إبراهيم" رئيس التحرير الذي لعب دوره شكري سرحان في "زائر الفجر".
ولكن يظل فيلم "زائر الفجر" ابن زمانه وافراز المرحلة السياسية والاجتماعية التي سبقت المواجهة العسكرية مع العدو الإسرائيلي والانتصار عليه بعد انتاج الفيلم وعرضه بعدة أشهر وعرضه الأول في يناير .1973
"فالصحافة والصحفيون المصريون" جزء عضوي أصيل في بنية المجتمع المصري وضميره. وبالتالي فهم يشكلون مصدراً للإلهام الروائي والسينمائي والفني عموماً.. ومن خلالهم يتم تشريح المجتمع وتحليل مكوناته وإسقاط الضوء علي أماكن ضعفه وتحليله.. وكلنا نتذكر أدوارهم ونماذج منهم في أفلام مثل "الرجل الذي فقد ظله" و"دموع صاحبة الجلالة" وفيلم "القاهرة 30" و"اللص والكلاب" و"امرأة واحدة لا تكفي" و"الغول" و"بطل من ورق" إلخ إلخ.. فاللهم كتر من نماذج الطيبين واقصف عمر الأشرار من جماعة الصحفيين آمين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف