المساء
محمد جبريل
ع البحري .. العقاد أباً!
بعد وفاة العقاد. تناولت الصحف قصة الفتاة التي انتحرت حزنا لرحيله.
ولمحت بعض الأقلام إلي أن الفتاة المنتحرة لم تكن مجرد معجبة تحدثت الصحف كذلك عن الخلافات التي اشتعل أوارها بين عامر العقاد- ابن شقيق الكاتب الراحل- وبقية أقربائه. والتي وصل بعضها إلي ساحات المحاكم.
وكان من بين هولاء الأقرباء زميلي في المساء سيد العقاد. كان عسكري النشأة والدراسة. وان تفرغ- فيما بعد- للصحافة وكتابة الدراسات الأدبية.
كانت صلتي بسيد العقاد أقرب إلي الزمالة منها إلي الصداقة. لم أعرف من ماضيه. ولا حتي من حاضره. شيئا. سوي أنه يأتي في موعد محدد. وينصرف في موعد محدد. يتسلم مواد الجريدة من مدير التحرير. يراجعها. ويدفع بها إلي سكرتارية التحرير. وحين اقترب سيد العقاد من مكتبي بصالة المساء. واختار كرسيا. وجلس شملني ارتباك دعوته إلي فنجان قهوة. وعشرات الاسئلة- في الذهن- تطرح نفسها. تكلمنا في العديد من القضايا. بدءا بكرة القدم- وكان الرجل أهلاويا متعصبا. وانتهاء بزعامة خروشوف الزاعقة للاتحاد السوفييتي. ثم سألني الرجل فجأة: هل تريد تحقيقا صحفيا مثيرا؟
اتجهت إليه باهتمام واضح أغناني عن السؤال.
قال: الليلة. ذكري الأربعين لوفاة ابنة العقاد.
* هل كان العقاد متزوجا؟ وهل له ابنة؟
تذكر حادثة الفتاة التي انتحرت حزنا علي وفاة العقاد.. تلك هي ابنته!
انتظرت سيد العقاد في محطة تروللي شارع الألفي. ركبنا الأوتوبيس. ونزلنا بالقرب من سرادق ضخم قبالة بيت مجاور لقهوة عنتر بالعباسية.
دخلنا وجلسنا وكان يتناوب تلاوة القرآن الكريم الشيخ عبدالباسط عبدالصمد. وقاريء آخر لا أعرفه. وان عرفت أنه قاريء الحي. وكان صوته منفرا للغاية. بطبيعة الحال جلت بنظري في الحضور لم أكن أعرف غالبيتهم. وان ميزت عم أحمد طباخ العقاد. وطاهر الجبلاوي. وخليفة التونسي. وعددا من أصدقاء العقاد ومريديه.
بدأ سيد العقاد حديثه- همسا- في السرادق. وأكمله- متخليا عن الهمس- في مشوار العودة: الفتاة ثمرة علاقة بين العقاد واحدي السيدات "قيل انه تزوجها عرفيا". وهبها أبوته الاسمية رجل أعمال اقترنت به السيدة.
فلما كبرت الفتاة. عرفت من هو والدها الحقيقي. وبدأ ترددها علي بيت العقاد الذي تيقن أن الفتاة ابنته. ومن ثم فقد عاملها معاملة الأبناء: انفق عليها. وراجع واجباتها المدرسية. وكان دولاب غرفة نومه يضم العديد من كراساتها. وجري فيها قلمه بتصحيح وملاحظات وعبارات اعجاب وتحية. وكانت الفتاة تناديه أمام الجميع: بابا.
أبطأت الدهشة خطواتي. فتابع سيد العقاد حديثه في ثقة: ربما تسألني: لماذا لم يعترف العقاد في حياته بأبوته للفتاة؟.. الواقع أنه ذكر ذلك في وصية. أودعها لدي السياسي إبراهيم عبدالهادي باشا. وشدد علي أن تعلن الوصية بعد وفاته.
* لقد مات.. فأين تلك الوصية؟
ما أعرفه أن عامر العقاد أغلق الشقة من الداخل. فور وفاة عمه. وأخلاها من كل ما يمكن أن تفيد منه الفتاة في تأكيد أبوة الرجل لها. لما علمت الفتاة بنبأ الوفاة. هرعت باكية. فرفض عامر أن يأذن لها بالدخول. واتهمها- وأمها- بتعمد الاساءة لذكري الكاتب الراحل. وكان رد الفعل لصدمة الوفاة. وانكار عامر. أن الفتاة تناولت حبات وفيرة من الأسبرين. لتضيف إلي عشرات الأسئلة التي خلفها رحيل العقاد. سؤالا جديدا.
علا صوته. فتصورت أن المارة بدءوا في التلفت: المؤكد ان العقاد كان أبا للفتاة المنتحرة. ذلك ما يعرفه جيدا كل الذين أتوا إلي السرادق.. فهل أتوا لتأكيد الإساءة؟
أعدت السؤال: أين الوصية؟
ربما امتنع إبراهيم عبدالهادي عن اذاعتها. حتي لا يشوه ذكري الرجل.. لكن الجريمة الكاملة أسطورة. وعليك أن تعيد فتح الملفات من جديد!
قلت دون أن أتدبر السؤال: لماذا لم تتول بنفسك هذه المهمة؟
قال الرجل في أسي واضح: قرأت- بالطبع- عن اتهام عامر العقاد لي بالاستيلاء علي شقة العقاد في الاسكندرية. وثبوت براءتي من الاتهام. وأن الشقة لي.. ما أكتبه سيبدو جزءاً من حملة التشهير بيني وبينه.
قررت أن أهمل المسألة حالا. اذا كانت العلاقة بين الرجلين شابتها خصومة. فلماذا أحول قلمي إلي أداة؟ ثم قرأت- بعد ذلك بسنوات- لخليفة التونسي وأنيس منصور وآخرين. يطرحون القضية من جديد: هل كان العقاد أبا للفتاة المنتحرة
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف