الأهرام
فريدة الشوباشى
قهر الفساد بالميكنة
يتابع الرأى العام باهتمام شديد، مصحوبا بالأمل والفرحة، أنباء نجاح الرقابة الادارية فى القاء القبض على عدد من المرتشين وتقديمهم للمحاكمة لنيل الجزاء المستحق والواجب والذى تأخر عقودا فى بعض الأحيان، وان كان هناك جانب يصعب تعويضه واعنى به الاضرار والظلم الذى ألحقه هؤلاء الفاسدون بضحاياهم..وقد هالنا جميعا ان تصل الرشاوى الى مئات الملايين من الجنيهات وهو انعكاس لما وصلت اليه الاوضاع فى وطننا. ومن أوضح تجليات توُحش الفساد ان يدفع محافظ حلوان الاسبق مليونى جنيه كفالة للافراج عنه بانتظار محاكمته.. فكم مليونا من الرشاوي، حصدها هذا الرجل إذن فى اثناء شغله وظيفة، «صنفت» بالمحافظ، والذى كان من واجبه الحفاظ على ابناء المحافظة، وليس بيعهم. فلو ان هذا المحافظ، وغيره من الفاسدين، كانوا قد وضعوا كل رواتبهم فى حصالة، ما كان بامكانهم تجميع واحد على مليون مما ضُبط بحوزتهم..وهو ما يكشف عن ان الأمور كانت تسير (سداح مداح) بلا رقيب او حسيب، لأن الفساد ممتد من اعلى منصب الى اصغره، فى هذه الادارة او تلك.. فبعدما بدأت الرشاوى بعشرات الجنيهات عقب عصر الانفتاح، الذى سلسل الاجور فى القاع وترك الاسعار تحلق فى أعلى السماوات، أخذت ظاهرة، فتح الدرج، تنتقل من خطوة الى أخري، ومن مستوى الى آخر أعلي، بسرعة مذهلة، حتى استشرت كالوباء القاتل فى كل مفاصل الدولة..ولا شك ان تضخم الجهاز الإدارى فى مصر أثقل كاهل المواطن، خاصة الغلبان. وبالطبع كان «التطلع» الى مبالغ تصل الى الملايين فى المجالات التى تدر عائدات كبيرة أو تلك التى تنقل مواطنا متوسط الحال الى أعلى درجة في سلم الثراء، وابلغ مثال على ذلك، التمكين من الاستيلاء على اراضى الدولة، أو التربح من الاعفاءات الجمركية، او صوامع الغلال، أو الأدوية، أو الأغذية المنتهية الصلاحية، والقائمة تطول بصورة مفزعة، ومن هنا ساد الشعور بالارتياح والتفاؤل والأمل، بأننا، أخيرا، سنطهر الوطن من الادران القاتلة التى الحقها به منعدمو الضمير.ولا شك ان جهود الرقابة الإدارية فى مطاردة هذا السرطان المتوحش، تستحق الاشادة ولكن ما قد يقضى على الفساد المستشري، هو ميْكنة الجهاز الاداري..فقد جرى تعميم التكنولوجيا الحديثة فى معظم دول العالم، ومن حق مصر ان تواكب العصر، فيتعامل المواطن مع الآلة، للحصول على ما يبحث عنه من مستندات، لآن الآلة، لن تنظر له بجسارة، وهى تقول:كل سنة وانت طيب، كما لن تشير بنفس النظرات الوقحة الى الدرج المفتوح، حتى يدرك طالب الخدمة، ان هذا الدرج مفتوح الشهية طوال ساعات الليل والنهار، ناهيك عن صفقات الفساد بالملايين التى تتم فى تكتم شديد.والمفروض ان تشرع الدولة فى ميكنة الجهاز الاداري، فورا، وردا على المتابكين على مصير اعضاء جهاز البيروقراطية العتيدة، فان الرد الواقعي، هو ان اضرار استمرار بيروقراطية تتقاذف المواطن، من مكتب الى مكتب، ومن موظف الى آخر، فتضيع وقت اصحاب الحاجة، وتتفنن فى خلق المصاعب، لأغراض شتي،، بحيث يدفع صاحب الحاجة، المعلوم، حتى يحصل على المستند، اضافة الى تكاسل البعض فى تقديم الخدمة الواجبة والتى يحصل على أجر مقابل ادائها،، اكثر فائدة للوطن والمواطن، حتى لو استمرت الدولة فى دفع الرواتب فترة من الزمن، إلى أن يعاد تسكين هؤلاء فى أماكن تصعب فيها الرشوة، لان ما يهدره الفاسدون من أموال طائلة للدولة، اكثر بمئات الاضعاف، بالتأكيد، مما سيتقاضاه الموظفون المسرحون..ان تحديث الجهاز الادارى باستخدام ادوات العصر، سيرفع بلا شك عن كاهل المواطن، المتاعب التى يعانيها، واذا كانت نسبة الامية المرتفعة، قد تشكل صعوبة لمن يعانونها، فلا شك انهم سيجدون المساعدة من ذويهم او معارفهم فى ادراج البيانات بالحاسوب الاليكتروني، ومن جهة اخرى فسوف يكون هذا التحول، بلا شك، عاملا محفزا لمحو الأمية، اضافة الى انه، أمر لا بد منه، تقتضيه ضرورات العصر، فلتبدأ الدولة ولو خطوة، ، لأن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف