اللقاء الذى جرى بين ترامب والأمير محمد بن سلمان فى 14 مارس الجارى ظهر بوصفه استثنائياً حظى فيه الأمير بحفاوة بالغة، ومن ثم شكل نقطة فارقة فى توثيق العلاقات الأمريكية - السعودية بعد أن شابها التوتر فى حقبة أوباما، شكَّل اللقاء نقلة كبيرة بل تحول تاريخي فى علاقات المملكة مع واشنطن، ولهذا لم تبالغ الرياض عندما أعلنت ذلك فى أعقاب اللقاء الذى حقق نقلة نوعية فى كافة المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية بفضل الفهم الكبير لترامب بالنسبة لأهمية العلاقات بين البلدين واستيعابه مشاكل المنطقة، ولقد طرح فى اللقاء العديد من الملفات الاقتصادية، وتصدرها استثمارات كبيرة للسعودية فى أمريكا وفتح الفرصة أمام الشركات الأمريكية التجارية بشكل استثنائى للدخول فى السوق السعودى وهو ما يشير بأن التعاون بين الدولتين سيكون فى أعلى مستوى له.
اللقاء جسَّد نقطة تحول تاريخية فى العلاقات بين البلدين بعد أن مرت بفترة من التباعد فى وجهات النظر فى العديد من الملفات مع إدارة أوباما وبالتالى عادت الأمور اليوم إلى مسارها الصحيح، أما أكثر ما ظفرت به المملكة فى هذا اللقاء فهو موضوع اليمن إذ تم الاتفاق على أن يكون هناك تعاون ودعم استراتيجى أمريكى أكبر للسعودية فى اليمن شمل بيع أسلحة وتعاون تقنى واقتصادى، وكان من الطبيعى أن تسيطر حرب اليمن على اللقاء، ولا سيما أنها تتعلق بمجابهة إيران الخصم المشترك للبلدين، وبالتالى كان من الضرورى حصول المملكة على ضوء أخضر من أمريكا يمنحها شرعية مواصلة هذه الحرب رغم الخسائر السياسية والعسكرية والاقتصادية التى تكبدتها.
وفى الوقت نفسه اتفق الطرفان على مواقف أكثر تشدداً مع إيران بسبب ما سمياه بخطورة التحركات الإيرانية التوسعية فى المنطقة، ولا سيما فى ظل الاستقطاب الحاد بين إيران والسعودية، فهل هذا يعنى أن تكون هناك تهيئة للمسرح ضد إيران قد تكون سياسية وقد تكون عسكرية؟.. وهل التقارب الأمريكى - السعودى يمكن أن يؤدى إلى إشعال المنطقة أكثر مما هى عليه الآن؟.. هذا فضلاً عن رؤيتهما معاً حول الاتفاق النووى الذى تم إبرامه فى 14 يوليو 2015 بين إيران ومجموعة 5+1 ودخل حيز التنفيذ فى يناير من العام الماضى، حيث رأى كل منهما أنه اتفاق كارثى. وكان ترامب هدد بإلغائه وإعادة التفاوض عليه، وهو أمر يتعذر تطبيقه، حيث إن الاتفاق دولى وليس ثنائياً.
حظى ترامب خلال اللقاء بدعم ولى ولى العهد السعودى لقراره التنفيذى الذى يمنع فيه مواطنى ست دول إسلامية من السفر لأمريكا ودافع الأمير محمد عن القرار باعتباره موجهاً ضد الإرهاب وليس ضد الدول الإسلامية أو الدين الإسلامى، وأن القرار سيادى لمنع الإرهابيين من دخول أمريكا!.. وغاب عن الأمير هنا أنه بدعمه ترامب فى هذا الشأن يكون قد صدق بذلك على أن مواطنى الدول الست الإسلامية إرهابيون بالجملة، ولا سيما أنه غداة لقاء ترامب والأمير محمد أصدر قاضٍ فيدرالى قراراً بتجميد تطبيق الأمر التنفيذى لترامب الذى يحظر على مواطنى الدول الإسلامية الست السفر إلى أمريكا، وذلك قبل أن يبدأ تطبيق المرسوم يوم الخميس الماضى.. أياً كان فإن زيارة ولى ولى العهد لأمريكا قد حظيت بأهمية بالغة إلى الحد الذى رأى فيها البعض وكأن السعودية قد غدت هى الرقم الصعب فى المنطقة الذى لا يمكن تجاوزه.