المصريون
محمود سلطان
المحاكمات قبل المراجعات!
عندما نشر الأستاذ جمال سلطان في فبراير عام 2014 المبادرة التي كتبها بعد حوارات جادة مع أهم فصائل الإسلاميين الحلفاء مع الإخوان، وأبرز قيادات ما تسمى بـ جبهة الدفاع عن الشرعية.. بادرت قيادات إخوانية بارزة لتكيل الشتائم في الشقيقين سلطان واتهامهما بـ"العمالة" للأجهزة الأمنية المصرية. هذا ليس مهما.. فأيسر شيء عند الجماعة هو الخوض في الأعراض.. وتسحبك إلى جبهة الأخلاق حال هزمت على جبهة السياسة.
أقول إن هذا ليس مهما.. لأننا اعتدنا عليه، ولم يعد يثير غضبنا بحكم الإلف والتعود، ولكن المهم أن نبرق هذه الرسالة إلى شباب الجماعة، ليعرفوا أننا والله كم أخلصنا للإخوان النصيحة.. ولكن الغرور والصلف وادعاء الطهر الديني ونقاء السلالة التنظيمية.. واصطفائها بالذكاء والمفهومية والفهلوة.. وأنها وحدها التي تفهم ومن حولهم أغبياء.. كل ذلك أدى إلى محن ودماء وضحايا ومآس تحتاج فعلا إلى "محاكمات داخلية" وليس إلى "مراجعات فقهية".. وفي هذا السياق لقد كتبت هذا المقال قبل فض اعتصام رابعة الدامي.. من باب النصيحة وتجنب الكارثة.. ورأيت من الأهمية نشره ردا مني على الطريقة التي استقبلوا بها مبادرات المصالحة من جهة وما سمي يوم أمس الأول بـ"أول مراجعات للجماعة".. وذلك ليعلم شبابها مهارات القيادات ومستواها الحقيقي وقدرتها على الفهم.. أو حتى على اصطناع الفهلوة يقول المقال: اعتقد الإخوان أن الوفود الأجنبية التي جاءت إلى القاهرة، للوساطة لحل الأزمة، تعني "فشل الانقلاب".. وبعض قياداتها فسرته بأنه "اعتراف" غربي بأن مرسي لا يزال "الرئيس الشرعي".. وأنه ربما تكون عودته قريبة جدًا! هذا التفسير الإخواني لـ"الوساطة" الغربية، يقفز على عدد من الحقائق، يتجاهل أحد أهم الأسئلة بشأن ما إذا كانت القوى الغربية مستعدة، للتضحية بمصالحها مع الجيش المصري، من أجل عيون "الجماعة" و"مرسي"؟! حماس ـ مثلاً ـ جاءت إلى الحكم في فلسطين عبر "الصندوق".. ومع ذلك انحاز المجتمع الغربي إلى مصالحه مع إسرائيل.. وليس إلى "الشرعية" التي جاءت عبر الاقتراع الديمقراطي الحر. وعلى صعيد التقاليد الوطنية المصرية، فإنه لن يقبل الرأي العام، بأية "هزيمة سياسية" قد تلحق بالجيش.. أو أن تنال من كبريائه العسكري.. وهي الحقيقة التي تقفز عليها الإخوان، وهي تعرف على وجه اليقين الإجابة، حال خُيّر الشعب بين "الجماعة" وبين الجيش الوطني.. وحتى إذا لم يرض قطاع من المصريين عما حدث في 3 يوليو، فإن الإخوان أداروا الأزمة، بافتراض أنه يتعين على الشعب التضحية بجيشه الوطني من أجل عيون الجماعة ورئيسها المعزول.. وهي واحدة من الأخطاء الكبيرة، التي تعكس سوء تقدير الجماعة، للواقع.. ما جعلها تتحرك في فضاء افتراضي، يتجاهل الشروط الموضوعية على الأرض. الحضور الغربي جاء بدعوة من "السلطة" وليس من "الإخوان".. وهي المفارقة التي أيضًا أساءت الجماعة تقديرها.. إذ لم تدرك معنى ومغزى "تساهل" الحكومة المعينة، في مثل هذه المسألة التي كانت ـ لوقت قريب ـ موضع انتقادات بوصفها "تدخلاً" غير مقبول في خلافات سياسية داخلية. الإخوان كانوا سعداء بهذا الحضور الغربي، وتفاءلوا به، واعتبروه دليلاً على "تعاطف" المجتمع الدولي معهم من جهة.. وانتصارًا مرحليًا على جنرالات الجيش من جهة أخرى.. ولم يستدعوا الافتراض الأقرب إلى الحقيقة، وهو أن الحكومة شاءت استدعاء "شهود" غربيين على تشدد الجماعة ورفضها الحوار والقبول بخارطة المستقبل.. وإصرارها على عدم الدخول في العملية السياسية الجديدة.. وهي "شهادة" كانت من قبيل "إبراء الذمة".. حال قرر الجيش فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة" بالقوة.. بمعنى أنه حضور كان يمهد لمحنة جديدة للجماعة، وليس رحمة بها أو رفقًا برئيسها المعزول. تعودنا من "الإخوان"، بأنها تفهم كل الرسائل "خطأ".. وتأتي تقديراتها للواقع، على عكس منطق الأشياء وحركة التاريخ.. وتسيء تقدير الموقف بشكل مذهل.. ولأول مرة نرى في العالم، جماعة سياسية، تقع في الأخطاء الاستراتيجية الكبرى، بشكل منظم وممنهج.. وكأنها تستعذب وتتلذذ بالأخطاء والخطايا.. ولعلنا نلحظ هنا أن خطأ المرشد الثاني حسن الهضيبي مع "عبد الناصر".. هو صورة طبق الأصل من خطأ المرشد الحالي محمد بديع مع "السيسي".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف