المساء
محمد جبريل
السيد يس
بعد صدور كتابي "مصر في قصص كتابها المعاصرين" قرأت مقالات ممتازة. لم تشر إلي كتابي من قريب ولا بعيد. لكنها أشعرتني بما تضمنته من وجهات نظر. أني قدمت جهداً غير مسبوق. وأني لم أجرد الادب من أهم صفاته كشكل فني متميز. وعالم قائم بذاته. وعلي سبيل المثال. فقد أشار محمود العالم إلي أن "الادب نص. ولكنه ليس مجرد نص. وإنما هو نص في سياق ذاتي اجتماعي تاريخي.
وأكد أستاذنا يحيي حقي أن فن القصة عندنا هو- في الوقت الحاضر- أهم مرجع لمن أراد أن يلم بنوازع مجتمعنا اليوم. ولاحظ حليم بركات أن القارئ يمكنه فهم المجتمع من خلال الروايات المطبوعة أكثر من الدراسات الميدانية المتخصصة وهي قليلة نسبياً في مجتمعنا العربي. وكتب السيد يس عن علم الاجتماع الادبي ذلك العلم الحديث الذي يحاول عن طريق الاستعانة بالاطر النظرية المتعددة السائدة في علم الاجتماع دراسة وتحليل وتفسير الظواهر الادبية المختلفة. وأشار السيد يس إلي سلسلة من الدراسات نشرها في مجلة "الكاتب" عرض فيها للمشكلات المنهجية والتطبيقية التي يثيرها علم الاجتماع الادبي. ولما عدت إلي تلك الدراسات . وجدت أنها قد نشرت في عام 1968. وكنت- حينئذ- أضع لمسات الختام في دراستي المطولة. ولعلي تصورت في عناوين تلك الدراسات ما يخالف المضمون الذي كنت انشده فلم أتوقف أمامها طويلاً. وأهملت مصدراً منهجياً مهماً. كان سيفيدني بلا جدال في وضع خطة البحث لكتابي الذي لم أكن نسبته إلي علم محدد بعد!!.. وعموماً فقد أسعدني وصف السيد يس لعلم الاجتماع في مقالته بأنه ميدان بكر يحتاج إلي جهود الباحثين العلميين ونقاد الادب والمهتمين بعلاقة الادب بالمجتمع. وأن الادب ظاهرة اجتماعية. وهو ليس مجرد الهام كما حاولت النظرية المثالية ان تقنعنا به.
الادب ظاهرة اجتماعية متطورة وديناميكية. تتطور حسب تطور المجتمعات". لكنني- في الحقيقة- لم أكن أبحث عن "الوثيقة" في إطلاقها. وإنما كنت أبحث عن "الفن" ابتداءً.
كانت قراءاتي قليلة لكتابات السيد يس. ولفتت كلماته انتباهي إلي الارض التي سرت فوقها دون ان أعرف طبيعتها أردت أن أكتب عن صورة مصر في الاعمال الادبية دون ان أحدد اجتهادي في تسمية محددة ثم عرفت ان علم الاجتماع الادبي هو المعني الذي يضم محاولتي. بدأت في البحث والتعرف إلي كتابات السيد يس في علم الاجتماع الادبي. وفي ظواهر مهمة أخري في المجتمع المصري بخاصة وفي المجتمع الانساني بعامة ولعل أميز ما تناوله في مقالاته الوافرة وكتبه قضية الصراع العربي الصهيوني. عبر عن جذور الصراع وتطوراته بعلمية وبساطة. أتاحت لي تفهم أبعاد الصورة جيداً. وأنه علي إسرائيل. في ضوء السلام المستحيل- والكلمات للسيد ياسين- أن تعيد النظر في مفهومها لذاتها باعتبارها الدولة الاقليمية العظمي في المنطقة ومن حقها بمفردها- بحكم تصور خاطئ- امتلاك السلاح النووي.
لقد فقدت الثقافة العربية برحيل السيد يس معلماً مهماً من رموزها وفقدت شخصياً أستاذاً أفدت من علمه. وإن لم أشرف بلقائه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف