المساء
مؤمن الهباء
النائب الغلبان
قبل أن يذهب مجلس النواب في إجازة 10 أيام تعمد د. علي عبدالعال رئيس المجلس أن يستفز مشاعر الناس- المستفزة أصلاً- بحديث عجيب عن تدني دخل النائب المصري مقارنة بدخل أي برلماني آخر علي مستوي العالم.. وهو يعلم ان هذا الحديث ينطوي علي خديعة لم يعد يتقبلها أحد من فرط ما استخدمها رؤساء المجلس السابقون للتمويه والضحك علي الذقون.
ففي جلسة مناقشة الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة انبري د. عبدالعال للتأكيد علي أن موازنة البرلمان هي الاقل علي مستوي العالم.. وأن التكلفة الاقتصادية للنائب المصري هي الاقل تكلفة لنائب علي مستوي برلمانات العالم.
وقد ترجمت "الجمهورية" هذه العبارة في عناوين عددها الصادر يوم 15 مارس الجاري إلي أن النائب المصري "غلبان" قياساً علي أي نائب آخر علي مستوي برلمانات العالم.
ثم أضاف د. عبدالعال: علي الرأي العام المصري أن يدرك حقيقة موازنة مجلس النواب.. فأجور موظفي المجلس تزداد عاماً بعد عام- خاصة بعد ضم موظفي مجلس الشوري إلي مجلس النواب.. فمعظم ميزانية المجلس تتجه إلي الاجور.
والحقيقة التي يجب ان يدركها د. عبدالعال والنواب الافاضل ان هذه النغمة- المستفزة لم تعد مستساغة.. ولا يمكن ان تلهينا عن المطالبة بالوضوح والشفافية الكاملين في عرض أرقام ميزانية المجلس التي تقدر بمليار جنيه وأرقام غيره من الهيئات والمؤسسات ذات الميزانيات الكثيفة.
وفي هذا الصدد هناك أسئلة عديدة كان يجب ان يطرحها رئيس المجلس علي نفسه ويجيب عنها بأمانة حتي لايعرض مجلسه للحرج.. ومن هذه الاسئلة ما يلي:
* هل التكلفة الاقتصادية للنائب هي الاقل علي مستوي العالم أم التكلفة الاقتصادية للمواطن المصري والمدرس وأستاذ الجامعة والموظف والمهندس وصاحب المعاش.. هي الاقل- بل الأدني- في العالم.. وهل هناك أصلاً وجه للمقارنة بين دخول هذه الفئات ومثيلاتها في العالم؟!
أليس من اللائق قبل أن تتحدثوا عن النائب الغلبان والوزير الغلبان الذي يطالب بزيادة راتبه ان تتحدثوا أولاً عن المواطن الغلبان المطحون الذي أتعلتم كاهله بالضرائب وارتفاع الاسعار ورفع الدعم تدريجياً وانسحاب الدولة من مسئوليتها في التعليم والصحة والسطو علي أموال التأمينات والمعاشات وضمها إلي ميزانية الدولة وحرمان أصحابها من حقهم الطبيعي فيها.
وإذا كانت ميزانية البرلمان هي الاقل علي مستوي العالم فماذا عن ميزانية وزارة التعليم ووزارة الصحة والبحث العلمي.. وقد تغاضيتم تماماً عن إهمال الحكومة لها.. وعدم التزامها بنص صريح في الدستور يلزمها بأن تحظي ميزانية هذه الوزارات الثلاث بـ10% من قيمة الناتج المحلي؟!
هل هناك برلمان في العالم يضع في لائحته الداخلية عفواً عاماً لاعضائه من دفع الضرائب المستحقة علي دخولهم من المرتبات والمكافآت والبدلات.. في الوقت الذي تستقطع فيه ضريبة الدخل من الموظف البسيط في الدولة أينما كان قبل أن يصل الراتب الشهري إلي يده.. ويتهرب رجال الاعمال وكل من له نفوذ في الدولة من الضرائب؟!
هل هناك برلمان في العالم قدم لكل عضو من أعضائه جهاز "تابلت" علي سبيل الهدية قبل بداية عمله البرلماني دون أن يسأل هذا العضو كيف سيتعامل مع هذا التابلت؟!
بقيت ملاحظة أخري علي ما دار في جلسة مناقشة الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة.. فقد أكد محمد السويدي رئيس ائتلاف دعم مصر بالمجلس- كتلة الموالاة- ان الحديث عن ترشيد الاستهلاك في الوزارات مجرد شائعات فلا يوجد ترشيد علي أرض الواقع.. وهو الامر الذي تسبب في زيادة عجز الموازنة العامة للدولة لحدود غير آمنة.
وطالب النائب بضرورة الكشف عن توجهات الحكومة فيما يتعلق بالهيئات الاقتصادية التي تشكل مشكلة كبيرة جدا.. فموازنات معظم هذه الهيئات ضعيفة ولا تمكنها من أداء دورها.. مما يجعلها مجرد جهاز إداري بلا فاعلية.
وهذه نقطة مهمة جدا جديرة بالتوقف عندها.. فالحكومة تتحدث كثيراً عن تطوير التعليم ومنظومة الصحة ودعم المصانع المتوقفة.. وهذا كلام جيد.. لكن الميزانية لا تكشف عن اهتمام حكومي جاد بتوجيه أموال كافية أو حتي شبه كافية لهذه الهيئات مما يفرغ حديث الحكومة من مضمونه.. ويجعله كلاماً معلقاً في الهواء.
أرقام الميزانية أصدق أنباء من تصريحات الحكومة وكلامها المعسول.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف