جلال دويدار
لا عيب في مجانية التعليم.. الخطأ.. في التخبط والسياسات
يبدو أنه لا أمل في خلاص المجتمع المصري بكل طوائفه وفي كل مجالاته سواء كانت سياسية أو إعلامية من آفة التصيد والتعصب وأن نمسك لبعضنا البعض علي الواحدة دون أي اعتبار لحسن النية. دائما ما يتم تعاملنا مع أي تصريح أو حديث حتي إذا جاء تداوله وترويجه مبتوراً.. بسوء النية التي تدفع إلي سن السكاكين للإجهاز علي الفريسة. يحدث هذا دون اعتبار لحرية إبداء الرأي وأحقية أي شخص في ممارسته دون أن يكون عرضة لعمليات الذبح الأدبي والمعنوي عقابا له.
ما أقوله ينطبق علي ما صدر منسوبا للدكتور أحمد عماد وزير الصحة في سياق حديث أو تصريح له ينتقد فيه مجانية التعليم التي تقررت إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعد ثورة يوليو . أشار التصريح إلي أن هذه المجانية كانت من الأسباب التي أدت إلي الأزمة التي تعاني منها العملية التعليمية منذ سنوات وحتي الآن. في اعتقادي أن هدف الوزير هو انتقاد العملية التعليمية كسياسة عامة وليس التهجم علي الزعيم جمال عبدالناصر الذي لا ينكر أحد إنجازاته الوطنية. المؤكد أن ما كان يستهدفه.. هو التدني الذي وصل إليه التعليم في مصر بكل مراحله والذي يتفق الجميع علي حقيقته وواقعه.
ليس هناك ما يقال تعليقا علي هذا الذي جري سوي انعدام مراعاة الرحمة ومبادئ حق إبداء الرأي بحرية. المفروض أن يكون المقابل..الرد عليه بكل الأدب وبالحجة التي تدحضه دون تعمد التجاوز والاساءة والمزايدة في الدفاع عن عبدالناصر.. مثل هذا السلوك لا يتفق ولا يتوافق مع الديمقراطية التي تدعو إلي عدم وجود أي قيد علي حرية الرأي المكفولة بحكم الدستور. في هذا الشأن لابد أن ندرك ونتعلم ألا يوجد أي إنسان لا يمكن أن تخضع سياساته أو قرارته للصواب والخطأ وبالتالي لا يكون لانسان آخر حق ابداء الرأي فيما تم اصداره علي أساس أن العصمة من هذا النقد ليست إلا لله وحده خالق هذا الكون والمنزه عن أي خطأ.
كنت أرجو من الذين تهجموا علي وزير الصحة فيما يتعلق بما جاء في تصريحه بأن يردوا عليه بالأسانيد الموثقة فيما يتعلق بما حققه هذا القرار سياسيا واجتماعيا. كان عليهم أن يبينوا ما تحقق من وراء قرار مجانية التعليم حيث كان التعليم قبل هذا القرار وقفا علي الأغنياء والقادرين وهو أمر يتنافي مع المساواة وتكافؤ الفرص التي تنادي بها الدساتير ومبادئ حقوق الإنسان.
لا أحد يستطيع في مصر أن ينكر حقيقة أن العملية التعليمية في حالة انهيار منذ سنوات. حول هذه القضية فإنه لابد أن يكون معلوماً للكافة أن السبب في ذلك يعود إلي السياسات التعليمية المطبقة. هذه المسئولية تتحمل تداعياتها الحكومات المتعاقبة التي لم توفر الاعتمادات أو الأدوات اللازمة للحفاظ علي ما كان عليه التعليم قبل عدة قرون مضت. هذه الحكومات تخلت عن بذل الجهد في مواجهة الوضع الكارثي. هذا الانهيار التعليمي يعود إلي الإهمال والقصور وغياب المسئولية الوطنية والمحاسبة المجتمعية الي جانب نقص الامكانات المالية نتيجة انفلات الزيادة السكانية. قرار مجانية التعليم وفقا لهذا الواقع ليس سببا اذن لما أصبح عليه التعليم الذي لا يسر عدوا ولا حبيبا.
اللافت للنظر ما اتسم به التصدي لما أبداه وزير الصحة بشأن انهيار العملية التعليمية.. بهذا العنف المغالي فيه لم يكن متوقعا أن يأتي هذا التوجه من جانب أقلام وأصوات تتبني في كل المحافل والمناسبات الدفاع عن حرية الرأي والديمقراطية. إن من حق أي إنسان كان من كان أن يعلق علي أي رأي بالرفض أو بالموافقة.. ولكن ليس بهذه الحدة التي لا تتفق مع ما نسعي إليه من تحاور بناء يستهدف الصالح العام.
من ناحية أخري فإنه لابد وفي إطار الثقة والإيمان بإنجازات عبدالناصر ألا يدفع أي انتقاد لجانب من سياساته إلي هذه الحدة والعصبية التي لا تضيف لهذا الزعيم الوطني الراحل شيئا.