الأهرام
د.أحمد سيد أحمد
أمريكا والسعودية.. أسس جديدة للشراكة الإستراتيجية
تعد العلاقات الأمريكية السعودية أحد أبرز نماذج التحالف الإستراتيجى التى امتدت لعقود عديدة فرضتها تشابكات المصالح المشتركة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية,
بل إن إقامة علاقات تحالف وثيقة مع الدول المعتدلة وعلى رأسها السعودية شكل أحد ثوابت وأهداف السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط التى لم تتغير بتغير الإدارة فى البيت الأبيض.

لكن العلاقات شهدت حالة من التباعد والجفاء السياسى إبان الفترة الثانية لإدارة الرئيس أوباما نتيجة لسياسات إدارته تجاه قضايا المنطقة, خاصة الموقف من إيران, حيث اعتمدت على سياسة الاحتواء ودمجها فى المجتمع الدولى بعد إبرام الاتفاق النووى معها فى 2015 تحت منطق أن ذلك سيجعلها تتحول إلى دولة رشيدة وتتخلى عن طموحاتها النووية والمساهمة فى استقرار الشرق الأوسط, لكن منهج أوباما جاء بنتائج عكسية حيث أدى الاتفاق النووى والإفراج عن الأرصدة الإيرانية فى الخارج إلى تعاظم الدور الإيرانى السلبى فى المنطقة وشكلت أحد مصادر التهديد وعدم الاستقرار فيها نتيجة لتدخلها فى الأزمات العربية سواء بدعم الحوثيين فى اليمن أو القتال إلى جانب النظام السورى وحليفها حزب الله أو دعم فئة معينة فى العراق على حساب تهميش فئة أخرى, وهو ما ساهم فى تعقد تلك الأزمات وإطالة أمدها وعدم التوصل إلى حلول سياسية شاملة وظلت لأكثر من سنوات عديدة فى حالة اللاحسم السياسى والعسكرى, إضافة إلى التدخل الإيرانى فى الشئون الداخلية لبعض الدول الخليجية مثل البحرين وهو ما أزعج السعودية ومعها دول مجلس التعاون. كما تسبب قانون جاستا والموقف الأمريكى من الأزمة السورية فى حالة البرود بين البلدين نتيجة لسياسة أوباما المترددة فى الأزمة وهو ما ساهم فى تعقدها وتصاعد خطر الإرهاب وتنظيم داعش وأدى لتعقدها. لكن رغم حالة البرود السياسى ظلت العلاقات الإستراتيجية بين البلدين مستمرة خاصة على المستوى الأمنى والتعاون فى مكافحة الإرهاب, وكذلك التعاون العسكرى وشراء السعودية صفقات أسلحة أمريكية بعشرات المليارات من الدولارات, إضافة إلى التعاون الاقتصادى الكبير بينهما.

ولذلك شكلت زيارة ولى ولى العهد السعودى محمد بن سلمان لواشنطن ولقاؤه بالرئيس ترامب نقلة نوعية فى شكل وطبيعة العلاقات بين البلدين, فقد أسهمت فى تصحيح التشوهات فى العلاقات الثنائية التى حدثت إبان إدارة أوباما وأعادتها إلى مسارها الإستراتيجى الصحيح ووضعت أسسا جديدة للشراكة حيث استبدلت صيغة الأمن مقابل الطاقة والاقتصاد والتى كانت تقوم على إسهام الولايات المتحدة فى حماية أمن السعودية ودول الخليج مقابل المصالح العسكرية وشراء السعودية الأسلحة الأمريكية, والاستثمارات الضخمة فى أمريكا ومئات المليارات من الودائع فى صورة سندات دولية وأذون الخزانة, وحلت محلها صيغة جديدة للتعاون الاقصادى تقوم على تحويل الدعم السعودى المالى والودائع إلى استثمارات ومشروعات مشتركة تعود على النفع بين البلدين, وهو ما برز فى توقيع اتفاق للتعاون فى مجال الطاقة والتكنولوجيا والبنية الأساسية الأمريكية بقيمة 200 مليار دولار, حيث يسهم فى تنفيذ وعود ترامب الانتخابية بإنعاش الاقتصادى الأمريكى المتدهور وتوفير أكثر من مليون فرصة عمل وتجديد البنية التحتية المتهالكة, وفى المقابل سيتيح الاتفاق تدفق استثمارات الشركات الأمريكية فى السوق السعودية والمساعدة فى تنفيذ رؤية المملكة للتنمية 2030 التى أطلقها ولى ولى العهد, فى إطار سياسة التنويع الاقتصادى والتغلب على تحديات انخفاض أسعار النفط, وتزامن معها زيارة الملك سلمان للصين واليابان وتوقيع اتفاقات تعاون اقتصادى واستثمارات بأكثر من مائة مليار دولار.

كما تغيرت الصيغة الأمنية القديمة فى توفير الولايات المتحدة المظلة الحمائية لدول الخليج, لتقوم السعودية بذاتها بدور المدافع عن مصالحها وأمنها ضد التهديدات الخارجية, حيث تقود التحالف العربى لدعم الشرعية فى الأزمة اليمنية, وقامت بتشكيل التحالف الإسلامى, وتمتلك قدرات عسكرية ضخمة تؤهلها للعب دور فاعل فى قضايا وأزمات المنطقة ومنها الأزمة السورية والاستعداد لإرسال قوات سعودية إلى سوريا لمحاربة تنظيم داعش.

ويأتى ذلك فى إطار قيام المملكة بإعادة صياغة سياساتها الخارجية ونمط تحالفاتها الدولية من خلال تنويع دوائر سياساتها الخارجية مع الدول الكبرى مثل الصين وروسيا وعدم الاعتماد على الولايات المتحدة كحليف وحيد. كذلك إعادة صياغة التحالفات الإقليمية مع توجهها نحو تطبيع العلاقات مع العراق بعد زيارة وزير الخارجية عادل الجبير له أخيرا وتدعيم العلاقات مع لبنان لاحتواء التمدد الإيرانى المتصاعد. وقد نجحت زيارة ولى ولى العهد لواشنطن فى ردم الهوة بينهما فى الموقف من إيران واعتبارها المهدد الرئيسى لأمن المنطقة بعدما وصفها ترامب بأنها الراعى الأول للإرهاب فى العالم, وانتقاد سياسة أوباما التى أدت لسيطرة طهران على العراق سياسيا واقتصاديا, ولذلك تتجه السعودية وأمريكا إلى العمل المشترك لتحجيم الخطر الإيرانى, وإلزامها بتنفيذ بنود الاتفاق النووى فى ظل صعوبات إلغائه ووقف تدخلاتها فى المنطقة ودعم المليشيات الحليفة لها.

وبالتالى أسهمت الزيارة فى إعادة تشكيل العلاقات السعودية الأمريكية على أسس جديدة للشراكة الإستراتيجية تختلف بشكل كبير عما ساد من قبل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف