الوطن
أحمد رفعت
«ترامب» وتوريط مصر.. الخطة البديلة للربيع العربى!
«إن هذا الذى يحدث فى عدد من الولايات المتحدة ضد ترامب قد يتوقف فى اللحظة التى يجلس فيها معنا ترامب للتفاهم»! يبدو أن هذه المقولة التى سبق أن سمعناها من البلتاجى قد حدثت هناك فى الولايات المتحدة، ويبدو أن المنظمات الصهيونية الخفية التى تحكم العالم من خلف الأنظمة والحكومات والإدارات العالمية قد أجبرت ترامب على الجلوس معها للتفاوض، فتوقفت حدة الاحتجاجات التى أعلن عدد من قادة هذه المنظمات والعاملين فيها والمتصلين بها عن دعمهم لها صراحة!

وبالتالى فنظرة سريعة وبسيطة إلى المحيطين بترامب لفهم التركيبة حوله تدفعنا إلى تصديق ترامب فعلاً فى توجهاته وبرنامجه الذى طرحه أثناء ترشحه بالرغبة فى الحرب على الإرهاب وإعادة بناء أمريكا من الداخل، بمجرد النظر إلى فريقه الرئاسى المكون من فريقين متناقضين كما قالت صحيفة الواشنطن بوست الأسبوع الماضى، فالفريق الأول يتكون من مجموعة رجال الأعمال الذين أصبحوا مستشارين لترامب بعد توليه الحكم، وهؤلاء يشكلون فريقاً واحداً مع ابنته إيفانكا ترامب وزوجها جارد كوشنر، ويوصف هؤلاء بالديمقراطيين، وهذا الفريق تقوده دينا باول وجارى كوهن، وكلاهما سبق أن عمل فى مؤسسة جولدن ساكس الاقتصادية الشهيرة، أما الفريق الثانى فهم أنصار إعلاء القومية الأمريكية واعتبارها فوق غيرها، وهؤلاء يسمونهم الشعبويين الجمهوريين، وهؤلاء يقودهم المخطط الاستراتيجى ستيف بانون الذى أصبح أكثر قرباً من رئيس موظفى البيت الأبيض رينيس بريبوس! وبالتالى فكلا الفريقين يعكس من وجهة نظرنا تركيبة ترامب وتوجهاته.. فهؤلاء رجال أعمال وأولئك قوميون متعصبون متشددون!

توجهات «ترامب» كانت بالفعل مبنية على الاهتمام بالداخل والتراجع إليه، ومن هنا هاجم أوباما وهيلارى واتهمهما بإهدار أموال الولايات المتحدة والدخول فى صراعات لا فائدة منها تسببت فى إشعال الصراعات فى العالم وتنامى جماعات الإرهاب والإرهاب نفسه وأن كل ذلك أضر بمصالح الولايات المتحدة فى العالم وأثّر على مستوى معيشة المواطن الأمريكى!

انكماش أمريكا إلى الداخل يعنى تراجع أهم مخطط استراتيجى صهيونى تقررت تفاصيله عام 1982 الذى يؤكد بشكل علنى وصريح تقسيم المنطقة العربية بالكامل إلى دويلات صغيرة، ووفقاً لـ«عوديد ينون» الباحث الإسرائيلى فإن الخطة يجب أن تبدأ بالعراق ومصر جزء مهم طبعاً فيها، بل وتحدّث وقتها عن تفكيك السودان وليبيا، وبالتالى فهذا يعنى أمرين، الأول مرونة الخطة التى يمكن تبديل بعض أجزاء منها بتقديم أو تأخير المستهدف منها، بدليل ما جرى من انقسام السودان وما جرى فى ليبيا قبل مصر! والثانى هو اتساع الخطة الممتدة حتى الشمال العربى الأفريقى!

ولأنه لا يوجد خبير أو باحث أو كاتب إسرائيلى إلا ويؤيد خطة «عوديد ينون» بأهدافها وهى خطة طويلة تحتاج إلى طرحها وفضحها فى مقال مستقل، إلا أن ما يعنينا فيها أن فكرة «الربيع العربى» لم تكن نهاية المطاف، بل الهدف منها إعداد المسرح لمرحلة تالية تقضى على المنطقة تماماً.. ففكرة «بلقنة المنطقة»، أى تفتيتها كدول البلقان، أكدت أن البداية من العراق ثم سوريا باعتبارها أكثر الدول التى يمكن إحداث انفجار مذهبى وطائفى بها، وبالتالى انتقاله بالعدوى إلى الدول المحيطة، أما مصر وقت الخطة فوصفها المجرم «عوديد» بأنها دولة هشة ضعيفة، وخطته بُنيت لمصر تحديداً على إحداث فتنة طائفية فى مصر بين المسلمين والمسيحيين، وعندما يسقط النظام الحاكم فيها فإن الانفجار الطائفى سيحدث تلقائياً، وطبعاً غباء «عوديد» تسبّب فى عدم قراءته لمصر جيداً، فلا البديل الجاهز للحكم استمر فى حكم مصر ولا الفتنة الطائفية حدثت، وفشل على أرض مصر هذا وذاك بفضل جهود المخلصين من أبنائها وبفضل جيش قوى وصفه «عوديد» وكل من ناقشوا وثيقته بأنه القوة الوحيدة المنظمة والمتماسكة.. ولكن علينا أن نقول إنهم جميعاً وصفوا الجيشين العراقى والسورى بالوصف ذاته!

لماذا نقول ذلك؟ نقوله لأن خطة إسقاط مصر نفسها أو إلحاقها بالمخطط قد تبدلت طبقاً لمرونة المخطط الجهنمى.. فـ«ترامب» وقد توقفت الاحتجاجات ضده وتهويشه بإعادة فرز بعض الولايات ودعوات تمرد الأجهزة الأمريكية ضده والهجوم عليه من كل وسائل الإعلام الأمريكية بلا استثناء والدفع بعدد من نجوم هوليوود ممن ترعاهم المنظمات الصهيونية للهجوم عليه وانتقاده وذلك استغلالاً لشعبيتهم، لكن «ترامب» نفسه هو من يقول إنه سيرفع ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية بمقدار «53» مليار دولار! ولا نعرف لماذا إن كانت خطته هى وقف تدخل الولايات المتحدة فى صراعات العالم! وترامب الذى أكد مراراً أنه سيعتمد قراراً باعتبار «جماعة الإخوان» جماعة إرهابية لم يستطع أن يفعل ذلك حتى الآن رغم أن البعض تصور ذلك إجراء سهلاً، وترامب نفسه هو من يردد أنه سيحارب الإرهاب وسيهزمه، لكنه دائماً يؤكد أن «إيران» هى عنوان الإرهاب فى العالم وأكبر الداعمين له!! رغم أن إيران عملياً ومنطقياً هى حليفة «ترامب» فى الحرب على الإرهاب وداعش فى العراق وسوريا!

السؤال الآن: هل يقتصر تصور ترامب على توجيه ضربات إلى إيران؟ وهل إن استطاع تدميرها واختفاء أو تراجع «الخطر» الإيرانى على الخليج فهل سيكون هناك مبرر لابتزاز الخليج؟ أم أن المخطط باختصار يقوم على استكمال خطة تفتيت المنطقة بصراع طائفى مذهبى وخصوصاً بعد أن نضجت للأسف الحالة المذهبية وأصبحت جاهزة لتطويرها؟ والسؤال أيضاً: هل سيأتى ترامب بجنوده للحرب ضد إيران فى حرب طويلة؟ أم أن الحرب ستتم بأبناء المنطقة؟ وهذا يدفعنا إلى السؤال المنطقى الذى يليه: هل ستحارب دول الخليج إيران بأبنائها؟ إن حرب الخليج الأولى أدت إلى استشهاد مليونى مواطن فضلاً عن استنزاف 465 مليار دولار على الأقل فضلاً عن الجرحى وحجم الدمار الهائل الذى جرى، وكل ذلك تم والحرب توقفت منذ عشرين عاماً بالتمام والكمال وكانت على أسس سياسية بين العراق وإيران فماذا لو اشتعلت اليوم؟ وماذا لو اشتعلت على أسس مذهبية كحرب سنية شيعية؟ وماذا سيكون حال هذه الحرب فى ظل تركيبة العراق الحالية؟ وماذا سيحدث فى اليمن وسوريا ولبنان والبحرين والمنطقة الشرقية فى السعودية؟ وكيف سيكون حال المواطنين الشيعة فى البلدان العربية التى ليس فيها صور طائفية؟ وماذا سيفعل العملاء والمتطرفون والإرهابيون لسكب مزيد من النار على الزيت مع أبناء الطوائف الأخرى؟!

بشكل يقينى هناك دول أخرى تخشى ذلك، ومنها الكويت ومبادرتها لإجراء حوار عربى إيرانى، وقد أعلنت الكويت أن إيران ردت رداً إيجابياً، ولكن وبشكل يقينى نقول إن مصر تعى المخطط وتدرك أن كل محاولات إضعافها وحصارها، من إرهاب سيناء إلى منع استيراد منتجاتها الغذائية والزراعية إلى منع النفط عنها إلى توقف السياحة إليها إلى تهويشها بالكذب بالزعم بوجود قواعد عسكرية روسية على أراضيها، الهدف منها فى الأخير وضع مصر على حافة السقوط والانهيار والإفلاس والفشل لتكون جاهزة للقبول بما لا يمكن قبوله! وبشكل يقينى فإن رؤية مصر للإرهاب غير رؤية الآخرين وإنها تدرك المخاطر التى تحيط بها من الإرهاب، ولا ولن تقبل بالزج بمصر فى حرب طائفية ومذهبية إن بدأت فلن تتوقف إلا بعد خراب ودمار دائم لا حل له، وسيكون إشعاراً أخيراً بإعلان إسرائيل الكبرى!

اللهم بلغت اللهم فاشهد!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف