جمال زهران
لقاء السيسى وترامب ومحاذير واجبة
من مرجعيات الحكم فى مصر، ما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى أول خطاب له إلى الشعب والعالم، هو أن مصر اختارت الاستقلال الوطنى، ولا تبعية سياسية لأى دولة خارجية، وأن علاقات مصر الخارجية ستكون متوازنة مع الدول الكبرى، وأن القرار السياسى المصرى حر ومستقل ويحقق المصلحة العليا للبلاد والشعب المصرى.
وأوشك العام الثالث للرئيس السيسى على الاقتراب من نهايته، وقد ظهر فى الأفق رئيس أمريكى جديد هو دونالد ترامب، وانحيازات هذا الرجل مختلفة عن أوباما ـ الرئيس السابق والذى أعلن ووزيرا خارجيته (هيلارى ـ كيرى) انحيازهما السافر للإخوان وضد مصر، فى اشارة لدعمهما الصريح ضد الإرهاب، فهذا الرجل (ترامب) ضد الإرهاب قولا، وضد جماعة الإخوان التى وصفها بالإرهاب (قولا)، ومع صدور قانون يصف ويعتبر أن جماعة الإخوان (إرهابية)، قولا، وأنه ضد إيران (قولا) وأصدر التعليمات بمصادرة نحو (700) مليار دولار لرموز عراقية هربوها إلى البنوك الأمريكية، ليحل مشكلات الشعب الأمريكى الاقتصادية، ويرى أن تحسين العلاقات مع مصر ضرورة (قولا)، وتحدث مع الرئيس السيسى تليفونيا للتهنئة، وأعلن التشارك مع مصر على أرضية الحرب ضد الإرهاب التى يتعهد بها، وتعهد بالقضاء على داعش.. الخ.
هذه التصريحات التى لا وجود لها على الأرض فعلا، المهم فى هذا السياق، فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو: مما نحذر؟
1ـ موعد الإعلان عن لقاء الرئيس السيسى وترامب: حيث أعلن أنه سيكون فى الثالث من إبريل المقبل، كما أن اللقاءات التى يجريها ترامب بدأت كما هو معتاد فى كل عهود الرؤساء الأمريكيين، برئيس وزراء إسرائيل ثم انتقل إلى مقابلة ولى ولى عهد السعودية (محمد بن سلمان) بينما الملك سلمان نفسه فى جولة لمدة شهر فى دول آسيا والتقى مع الملك عبدالله الثانى ملك الأردن، ثم الرئيس السيسى.
2ـ القضايا محل الاهتمام المشترك بين مصر وأمريكا: بلا شك أن فى المقدمة قضية الإرهاب، وهو الحد المعقول لحدوث تقارب مصرى أمريكى مرة أخرى بعد البرود الكبير فى عهد أوباما، ولكن يتوقف ذلك على جدية ومصداقية الرئيس الأمريكى الجديد (ترامب) وقد أعلن ترامب أن من أول قراراته تصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية، كما أنه أعلن أنه سيقضى على داعش، كما أن طرح فكرة المناطق الآمنة فى سوريا وسط رفض روسى، محاولة للوجود الأمريكى فى سوريا بصورة خفية!!
والتحذير هنا يتركز فى عدم التسرع المصرى بالتفاعل مع تصريحات ترامب كأنها حقيقة بل ضرورة ارتباط ذلك بقرارات واضحة وعملية ومترجمة على الأرض.
3ـ الدعوة الأمريكية لتشكيل تحالفات وأحلاف جديدة فى المنطقة، على خلفية استمرار حالة عدم الاستقرار وشيوع حالة القلق وزيادة التوترات، ومواجهات جديدة مع موسكو على الأرض العربية والشرق أوسطية، وهى دعوة خطيرة تذكرنا بأحلاف الغرب فى الخمسينيات التى رفضتها مصر عبدالناصر، ولا أظن أن مصر السيسى، تخرج عن ذلك الخيار فقد دعا ترامب لتشكيل تحالف عربى فى مواجهة عدو أمريكى تصنعه الآن المخابرات الأمريكية وهو إيران، عوضا عن خسارة أمريكا وحلفائها فى سوريا، ومحاولة أمريكية لتقليم أظافر إيران، واعادتها إلى الحدود الإيرانية ومحاصرة الدور الإقليمى لها، فى ذات الوقت السيطرة على الأطراف العربية، وتغذية الصراع السنى الشيعى، وهو صراع يقصد به إلهاء الشعوب، واستمرار التوترات وعدم الاستقرار، وقد أحسنت مصر حينما أعلنت رفضها على لسان وزير الخارجية شكرى، بالانضمام إلى مثل هذه التحالفات، وأكدت أن تحالفها مع ضرب الإرهاب فقط.
4ـ استمرار الاستخدام الأمريكى ورقة المعونات العسكرية والاقتصادية على خلفية اتفاقات كامب ديفيد، والضغط الأمريكى على السعودية بإعادة أرامكو لضخ البترول بعد زيارة سلمان تستدعى استمرار الحذر، حتى لو تم الإعلان المصرى عن الاستغناء عن ذلك، تأكيدا للاستقلال الوطنى، ووجود البدائل الميسرة.
وأخيرا، علينا الحذر فى عالم عاصف واقليم مضطرب، وعلينا أن نستفيد أقصى استفادة من هامش حرية الحركة وسط نظام دولى قد تأكد بالخروج من الأحادية الثنائية القطبية، وتراجعت أمريكا وتقدمت روسيا، وعلينا ألا نخسر الأخيرة فى هذا الوقت الحساس للغاية، فمصلحتنا الاستراتيجية باتت مع الشرق أكثر من الغرب، ومع ذلك فالتوازن هو عنوان المرحلة لدور مصرى فعال على المستوى الإقليمى.