جمال سلطان
لماذا تغيب الحقائق في وقائع تسمم الطلاب ؟!
الظاهرة الغريبة هذه الأيام ، والتي تفاجئنا بشكل أصبح يوميا تقريبا عبر الأخبار ، هي تسمم طلاب المدارس بشكل غامض وواسع الانتشار معا ، حدث ذلك في سوهاج حيث تجاوزت الإصابات الألف طالب ، وحدث بعدها في السويس ثم في المنوفية ثم في أسوان ، ولا ندري غدا أين سيحدث هذا التسمم ، وهي ظاهرة مثيرة للدهشة بالنظر إلى اتساع مساحتها ، فهي ليست مقصورة على مديرية واحدة للتعليم أو حتى محافظة واحدة ، وإنما العديد من المحافظات والمديريات ، من صعيد مصر جنوبا إلى الدلتا شمالا.
الأخبار تنشر بشكل عادي في وسائل الإعلام الرسمية ، كأنها أخبار الطقس والمناخ ودرجات الحرارة المتوقعة ، دون تعليق ودون سؤال ودون تفسير ودون استغراب ، كما أن الأغرب أنه لم نسمع عن قيام أي جهة مسئولة بالتحقيق في تلك الوقائع لمعرفة الحقيقة ، ناهيك عن التحفظ على "المورد" للأغذية التي تسببت في تسمم الطلاب ، فضلا عن استدعاء مسئولي التعليم والطلاب أنفسهم لسماع شهاداتهم وطلب تقارير طبية ، لكنا سمعنا نداءات من أعضاء بالبرلمان تطالب بتولي القوات المسلحة عملية توريد أغذية الطلاب لوقف هذه الظاهرة وحماية الطلبة من التسمم بسبب خراب ذمم الموردين ، وهي دعوة غريبة ، كما أنها إعلان واضح لغياب الحكومة وغياب المؤسسات الرقابية وغياب منظومة العدالة وغياب الدولة نفسها في النهاية ، والسليم بأننا في مصر لم نعد نملك شيئا من مظاهر الدولة ومؤسسات الحكم إلا القوات المسلحة .
الظاهرة الجديدة تذكرنا بما حدث في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي ، عندما انتشرت فجأة ظاهرة تسمم مئات الطلاب في المدن الجامعية التابعة لجامعة الأزهر ، والتي أعقبها مظاهرات صاخبة عمت ضاحية مدينة نصر إلى العباسية ، وانتقل على إثرها الرئيس نفسه لمتابعة الحالة ، وقرر الأزهر وقتها نقل الأمر بكامله إلى إحدى الجهات السيادية ، وكما ظهرت حالات التسمم فجأة بين طلاب الأزهر اختفت فجأة ، وحتى اليوم لا يعرف أحد مصير التحقيقات في هذا الموضوع ، ولا من هو المسئول ولا من هو المدان ، على الرغم من الخطورة الشديدة للواقعة ، وعلى الرغم من أن أجهزة الدولة تحيل إلى النيابة وإلى القضاء أي محل أغذية صغير لو تسبب في أي أعراض تسمم أو ما شابه لمواطن واحد أو أسرة واحدة ، وليس بآلاف المواطنين .
ما يحدث اليوم مشابه جدا لما حدث قبل عدة سنوات مع طلاب الأزهر ، فلا أحد يعرف على وجه التحديد أسباب هذا التسمم بين الطلاب والذي انتشر من أسوان إلى إلى سوهاج إلى المنوفية إلى السويس في وقت واحد ، ولا يعرف أحد من هو مورد الأغذية في تلك المدارس والمحافظات المختلفة ، ولا يعرف أحد شيئا عن طلب التحقيق فيها أو أن تحقيقا أجري فيها ، فضلا عن مصير تلك التحقيقات ، وهل ستنتهي إلى ما انتهت إليه أحوال واقعة تسمم طلاب المدينة الجامعية للأزهر في عهد مرسي .
صمت الجهات المسئولة ، وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم ، يجعل الناس تتصور أن هناك ما تتستر عليه الحكومة في تلك الوقائع ، كما أن غياب الغضب "البديهي" من أجهزة رسمية عديدة في الدولة يعطي إحساسا بأنها غير منزعجة مما يحدث ، أو أنها تعرف ما لا نعرف ، أضف إلى ذلك أن غياب أي تحقيقات جدية وصارمة ورادعة في تلك الوقائع أمر قد يساء فهمه أو تأويله ، كما أنه من الطبيعي عندما تغيب الحقيقة عن الناس فإن مساحة الإشاعة تتمدد وتتسع ، ويدخل فيها المحسن والمسيء ، والناصح والمتربص .