استمتعت كثيرًا بقراءة الكتاب الأول للزميلة الكاتبة سمية عبدالمنعم، فقد أهدتني نسخة منه منذ أيام، وهو بعنوان «جنون الحب»، صادر عن دار كتبخانة للتوزيع والنشر، ويضم عشرين حكاية، جميعها كانت مجرد جرائم نشرت فى الصحف، نسجتها سمية بمهارة فى قالب قصصى، أعملت فيها خيالها، فقامت بخلق مشاهد حوارية، وأخرى سردية، بأسلوب خبرى رشيق، جاءت جميع الحكايات بأسلوب وثقافة وخيال الراوى، بأسلوب الكاتبة الشابة، والراوى هنا مثل سائر الأعمال الروائية شاهد على كل الأحداث، يحرك الشخصيات كما يحلو له، و يستنطقهم من قاموسه، فالراوى فى «جنون الحب» قيد جميع الشخصيات فى قاموس وأسلوب واحد، ولم يترك لكل منها حرية التعبير عن نفسها بلهجتها ولكنتها وقاموسها، فنطق من يعيش بالريف مثل من عاش فى المدينة، باللغة العربية الفصحى.
فى « قتل مشروع» قبل أن تقتل «مى» زوجها «نبيل» بسبب محاولته إجبارها على تقديم جسدها لأصحابه، دار هذا الحوار بينهما، ويتضح فيه ثلاثة أصوات، صوت الراوى الذى يحكى المشهد ككل ويفسره ويوضح آثاره على الوجوه، وصوت «مى»، وصوت «نبيل»، والجميع يتحدث بالعربية الفصحى:
ــ ماذا تقول؟، أنا لا أستوعب ما قلت .. هـ.. هل سمعتك جيدًا؟
تفحصها بنظرة لا مبالية وارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة، وقال فى حنق:
ــ بل تفهمين ما أقول جيدًا وسوف تنفذينه.
الكاتبة سمية لا تهتم كثيرًا بتحديد المكان ولا بتوقيت المشاهد، وعليك أن تفهم ضمنًا نوعية المكان والفترة الزمنية، ففى العشق الحرام جاء على لسان «بسمة» كلمة بلدتى، وكذلك على لسان «مينا» أو «مجدى»، وهى إشارة إلى إحدى القرى، وذلك خلال عودتها من المدرسة، ويفهم من الحوار أن «بسمة» تلميذة بالمرحلة الثانوية، وأن «مجدى» أو «مينا» من ذات البلدة التى توجد بها المدرسة، ويفهم كذلك أن هذا الحوار دار بينهما فى فترة ما بعد الظهر أو قرب العصر.
سمية لم تصف لنا ملامح الشخصيات، لون البشرة، العينين، الطول، ولون الشعر، فجميع الشخصيات مجرد أسماء غير محددة الملامح، «ريم» على سبيل المثال فى «حتى لا يذبل الورد»، وصفتها سمية بأن جسدها ضئيل، وهو ما قد يفهم ضمنًا أنها نحيفة وقصيرة، وكذلك «هند» فى «المنتقم»، و«إيمان» فى «سواق الهانم»، و«ياسمين» فى «نهاية حلم»، و«حسين» و«جلال» فى «المسحور»، و«محمد» فى «غدر»، و«مريم» فى «رصاصة فى القلب». معظم الشخصيات بلا ملامح.
أسماء الحكايات أغلبها عناوين صحفية وأخلاقية، تعبر عن الجريمة التى نسجت سمية خطوطها، «قتل مشروع»: «مى» قتلت زوجها لأنه حاول أن يجبرها على تقديم جسدها لأصحابه، و«جنون الحب»: «هند» قتلت شقيقتها لأن حبيبها تقدم لخطبتها، و«العشق الحرام»: «مينا» أقام علاقة حب مع «بسمة» المسلمة، «رصاصة فى القلب»: «مريم» تموت برصاصة طائشة فى قلبها بأحد الأفراح، «سواق الهانم»: «إيمان» حملت من السائق الخاص بالأسرة، «نهاية حلم»: موت طفلي «ياسمين» تحت عجلات باص المدرسة.
«جنون الحب» بداية جيدة لكاتبة واعدة ننتظرها فى أعمال أخرى من نسيج خيالها بعيدًا عن عالم الجريمة.