أحمد بان
هل بدأت مراجعات الإخوان ؟
ربما لم تضبط جماعة الإخوان عبر تاريخها متلبسة بإجراء مراجعات شاملة، على مستوى الأفكار والأدبيات والسلوك والاجتهادات السياسية والفكرية، وهو ما ساهم لاشك، في تكلسها تنظيميا وفكريا على نحو كان من أهم الأسباب التي ساقتها إلى محنتها الحقيقية والمفتعلة، وقد ضربت الجماعة جملة من التطورات الدراماتيكية في السنوات الست الماضية، على نحو لم تعرفه عبر تاريخها؛ تحلت فيها الجماعة بحالة من حالات الإنكار، التي جعلتها تحمل الجميع مسؤولية ما جرى منها ولها، دون أن تشير ولو من طرف خفي بأصبح الاتهام إلى مناهج التفكير أو التدبير التي حكمت سلوكها، سواء في مرحلة ما قبل ثورة يناير أو ما جرى خلال يناير وما تلاها من وصولها للحكم على نحو ما يعرفه الكافة.
في كل ما واجه الجماعة، ظلت محاولات دراسة ماجرى أو الانخراط في مراجعة جادة، تتمحور حول تدوينة هنا أو مقال هناك لقيادة نافذة أو مغمورة في الجماعة، عزز ذلك أجواء الانقسام الفعلي لجسد الجماعة بين جماعتين كل منهما يدعي أنه الممثل الشرعي للجماعة والأمين على أفكارها ومناهجها، ومن ثم تأخرت المراجعة لحساب محاولات رأب الصدع بين شطري الجماعة ومحاولة استعادة الهيكل التنظيمي والمسار الواحد، لكن الانقسام تعزز وأصبح واقعا أن الجماعة تحولت إلى جماعتين، يبدو الانقسام بينهما ليس في الأطر التنظيمية أو الخيارات، بل امتد ليشمل المناهج، حيث اختار جناح كمال منتصر، الذي يطلق عليه البعض جناح الشباب، الاتجاه الثوري المشوب بالعنف، بينما فضل جناح عزت أو القيادة التاريخية، التمسك بالنهج الإصلاحي والدخول في مرحلة كمون، مبديا الاستعداد للعمل من جديد تحت سقف النظام الحاكم، ساعيا للوصول إلى أي تسوية تتيح له الوجود من جديد تحت أي شروط.
في ظل تلك الحالة، خرج علينا جناح كمال منتصر بمراجعة لمسار ست سنوات ماضية، اختار لها عنوان “تقييمات ما قبل الرؤية إطلالة على الماضي”، وكما يبدو من العنوان أن المراجعات تمهد لإعلان رؤية جديدة يراها هذا الجناح محققة لشروط وجوده ولأهدافه في المستقبل.
اطلعت على الوثيقة التي تقع في 28 صفحة ونشرتها بعض المواقع الإلكترونية، وينبغي التأكيد في البداية أن المحاولة شجاعة وأنا شخصيا أزكي أي اتجاه للمراجعة وإعادة النظر، باعتبار ذلك فضيلة مهجورة لم تسلكها أي جماعة سياسية في مصر، سواء كانت في المعارضة أم في الحكم، وأرى أن المراجعة هي سلوك الأحياء وسبيل تجويد الأفكار والسلوك.
حددت تلك المراجعة لنفسها أربعة محاور رئيسية، اعتبرتها الأخطاء الرئيسة التي وقعت فيها الجماعة، وحاولت أن تتكلم في المطلق دون أن توجه الاتهام لأشخاص بعينهم حرصا على أن تحقق مراجعتها الأثر المطلوب، ولا تتحول إلى ملاسنات عبر أجهزة الإعلام ومادة خبرية لا تحقق الهدف.
حددت المراجعة العنصر الأول الذي سمته تركيز الهيكل التنظيمي التنفيذي وتوزيع المهام واللجان على العمل المجتمعي، في إشارة واضحة إلى افتقار الجماعة لخطة صحيحة لتوزيع مواردها وتأهيلها لأدوار محددة فى إطار خطة متفق عليها، وقد أشارت الدراسة في هذا المحور إلى الاعتماد على أشخاص وتوظيفهم في أدوار لم يكونوا مؤهلين لها، دون أن تذكر أمثلة بالطبع، حيث أشارت إلى اختيار أشخاص حسب مكانتهم داخل التنظيم وليس قدرتهم على النجاح في مهامهم، الإشارة الأوضح هنا، كانت في محاولة التنظيم تقديم أسامة ياسين من قبل التنظيمين داخل الجماعة ليكون ذراع الجماعة داخل ميدان الثورة، ومحاولة تأخير زعامات طبيعية نجحت في اكتساب ثقة الثوار، وكانت أقرب إليهم مثل البلتاجي، والمثال بالغ الدلالة فى توضيح هذا الأمر.
في هذا المحور، انتقدت الدراسة أيضا التركيز على الجانب الخدمي الذي أصبح الخادم في تحديد رموز العمل المجتمعي، الذين لم يكونوا بالضرورة مؤهلين للتحول بتلك السرعة إلى رموز عمل سياسي أو حزبي، وهذا اعتراف شجاع من تلك المجموعة بأن غلبة التنظيمي في الاختيار أدت إلى اختيار الأسوأ، في المحور الثاني الذي كان عنوانه غياب العلاقات المتوازنة مع الكيانات المجتمعية الأخرى من الناحية التكاملية أو التنافسية أو الندية، لم يكن صريحا بالقدر الكاف في تحميل التنظيم مسؤولية الفشل في التنسيق أو التعاون أو حتى المنافسة أو التكامل مع غيره من الكيانات المجتمعية، ليس فقط لأن هذه الكيانات كما أشار كانت كارهة للجماعة ولم تقبلها، لكن لأن عقل الجماعة لم يكن يعترف سوى بنفسه ومن على شاكلته ويتبعه حيث بقيت كل القوى لديهم مجرد مسهل سياسي يختبئون خلفه أو يتحالفون مع بعضه فقط عند الحاجة، دون قناعة حقيقة بالشراكة الوطنية أو قدرة على إبرام تحالفات عادلة وصحيحة.
ربما كان المحور الثالث من أفضل المحاور التي اعترفت فيها الدراسة بعيب خطير وهو كما أطلقت عليه غياب مشروع سياسي متكامل للتغيير وإدارة الدولة، وهو اعتراف نادر يأتي لأول مرة من داخل الجماعة التي ظلت تدعي أنها كانت مؤهلة للحكم وإدارة الدولة، وتملك الكوادر، لكنها لم تمكن من ذلك بفعل تآمر الدولة العميقة،
أخيرا في المحور الرابع، تحدثت عن غياب التعامل الأكاديمي المتخصص في إدارة وتحليل المعلومات، وهذا ربما كان من أعراض غياب التخصص وتوسيد الأمر لغير أهله وعدم قدرة قيادة الجماعة على بناء خطة صحيحة أو التفرقة بين مستلزمات إدارة الدولة والتنظيم.
حاولت الدراسة نفي جريمة تورطت فيها الجماعة وهى اشتراكها في مخطط الالتفاف على الثورة، بادعاء أنها هى وكل الفرقاء السياسيين لم ينتبهوا لخطورة ترك العسكريين ينفردون بوضع أسس المرحلة الانتقالية، وهو ما صنع كل المسارات التالية.
في كل الأحوال، نحن أمام محاولة شجاعة للمراجعة، لكنها لازالت تتمسك بأهداب الخجل وإن فتحت أبواب مراجعة تأخرت كثيرا، لكن أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا.