نبيل فكرى
مساء الأمل .. البقرة علي السقف!
كالعادة. ليس للعنوان تقريباً علاقة بما هو قادم. سوي تلك المحاولة الدائمة المكشوفة. لـ "جر رجلك" إلي قراءة المقال حتي آخره. علي الرغم من أن ما أكتب عنه. يستحق القراءة - وليس ما أكتب- وأعني به الكتاب الرائع للصديق المؤرخ والمفكر. الدمنهوري. كامل رحومة. والذي يحمل عنوان "المقاهي الثقافية في العالم.. القاهرة.. باريس.. دمنهور". وكان موضوع ندوة دسمة. بمعرض دمنهور للكتاب. تشرفت بإدارتها. في حضور القامات: الاستاذ الدكتور عمار علي حسن الروائي وعالم الاجتماع السياسي. والمفكر والكاتب الكبير الاستاذ عبدالخالق فاروق. وراهب الادب البحراوي الاستاذ رضا إمام. وسط حضور لافت. ضاقت به القاعة. وتناثرت بينه مصابيح الادب والفكر. حتي استحييت ان أرتقي منصة الحوار. وأنا أقلهم. لكن ذلك أحد أسرار عشقي وذوباني في دمنهور.. أن أروع من فيها. يتركون لي فرصة أن ألهو حولهم.
أما عن تلك "البقرة علي السقف" فهي واحدة من أشهر المقاهي الثقافية في العالم. وهي في باريس. وحسبما أورد الكاتب. فهي واحدة من أكثر المقاهي أناقة وفخامة بين كل مقاهي عاصمة فرنسا. ويعود اسمها إلي مسرحية شهيرة هناك. وقد كتب عن هذا المقهي الكثيرون. منهم فيكتور هوجو أحد أشهر أدباء فرنسا في حقبة الرومانسية. وصاحب "البؤساء" و "أحدب نوتردام" والاشهر لديه ليس رومانسياً بالمرة كما كتب عن ذات المقهي. ميشيل بروست كاتب سلسلة روايات "البحث عن الزمن الضائع" وقد جاء ذكر هذا المقهي. ضمن سلسلة من مئات المقاهي عبر العالم. وفي الوطن العربي. ومصر. حتي استقر الكاتب في مدينته ومعشوقته دمنهور. التي فعل كل هذا من أجلها وقد صارحته علي منصة الندوة. بأنه يسعي لـ "حشر دمنهور" في أي عمل يتصدي له. وكل كتبه. ما طبع بالفعل. وما هو تحت الطبع. إما عن دمنهور. أو أن دمنهور هي عموده الفقري. سواء كتابه عن المسيري كأحد حراس الهوية الوطنية. أو المقاهي الثقافية. أو "ولا واحد دمنهوري" الذي صدر بالفعل. أو حتي كتابه القادم "نبي دمنهور" وتلك أهم ميزة لكامل رحومة. الذي يصدر عشق دمنهور لكل من يعرفه وكم اسقط من كثيرين في فخ العشق الدمنهوري. ويراها مهمة مقدسة. يمارسها مع كل من يقترب منه. حتي مع أبناء منهور أنفسهم.
الاستاذ كامل رحومة لم يكن يعنيه المقهي كمقهي.. بضع كراسي وشاي وقهوة.. لكنه كان يستعرض تلك الحالة التي شكلت الوجدان أو جزءاً منه. وشكلت التاريخ. والتي تطل من ثناياها شخوص خالدة. مثل جمال الدين الافغاني ونجيب محفوظ والرافعي وعزيز باشا أباظة وعلي الجارم وغيرهم المئات.. المقهي لدي كامل رحومة سياسة وتاريخ وميلاد للأدب والافكار.. المقهي "كائن حي يتشكل من حكايات وحكائين.. هو رواد وتلاميذ.. هو ليس هذا النمط الذي يستفزك معظمه اليوم. فتلك ليست مقاهي.. المقهي كما يرصده رحومة عالم تتمني أن يعود.
كامل رحومة نفسه. كتاب . ومقهي ثقافي أصيل. لم يتخل بعد عن مميزات المقهي الثقافي. لكنه يتمسك بها كلما أرهقنا الزمن الردئ. ولعله يدري أو لا يدري أن "مشغله" بدمنهور. والذي يمارس فيه صنعته الفنية. لدي كثيرين. هو من تلك القائمة الطويلة التي سردها في كتابه. أو هو قبلها. لكن ميزته الكبري ان أحداً فيه لايتحمل عناء "الطلبات" مؤخراً أسررت لصديق ونحن علي باب قاعة معرض دمنهور قبل ندوة الكتاب. بأن كامل رحومة "درويش" . وعلي من يسيرون معه ان يكونوا علي استعداد لتلك "الدروشة" وهذا أحلي ما فيه وأروع ما في التجربة.. سر مع كامل.. ودع القلق. واستمتع بالحياة.
ما قبل الصباح:
كامل رحومة.. لا زال يقنعنا انه لا يستطيع الطيران.. رغم انني أشاهده دائماً يحلق في الافق.