مؤمن الهباء
شهادة .. التصعيد السوداني
فاجأتنا السودان الشقيقة بالإعلان عن وضع "خارطة طريق" لترحيل المصريين من منطقة حلايب وشلاتين وأبورماد الحدودية عبر الطرق الدبلوماسية.. وهو تصعيد غير مسبوق في هذا الملف الملغوم الذي يظهر ويختفي بين حين وآخر.. فلأول مرة تتحدث السودان عن ترحيل المصريين.. ثم تتبع ذلك تصريحات غريبة لوزير الإعلام يقول فيها إن الأهرام السودانية أقدم من نظيرتها المصرية بألفي عام.. وأن فرعون موسي الذي ورد ذكره في القرآن الكريم كان سودانياً.
ما الهدف من هذا التصعيد المفاجئ؟!
كانت السودان تكتفي كل عام بتجديد شكواها لدي مجلس الأمن بشأن تبعية حلايب التي تبلغ مساحتها 22 ألف كيلو متر.. وتقدم وثائق تثبت أنها سودانية.. وفي أكتوبر الماضي دعمت شكواها بتقديم شكوي إضافية حول الخطوات التي قالت إن مصر تنفذها لتمصير المنطقة بالكامل.
هذا التصعيد السوداني الحالي ليس له في الواقع أي مبرر.. ولن يحقق للسودان أي مكاسب كما قد يتوهم البعض.. والأفضل للبلدين ـ مصر والسودان ـ وللشعبين الشقيقين أن يتم تحكيم العقل والمنطق بروح أخوية وقومية تعلي من أواصر العروبة والدين.. وترفع لواء المصلحة المشتركة بدلاً من الدخول في خلافات ودوامات تضرنا معاً وتضعفنا معاً.
وسواء أكان هذا التصعيد السوداني بتحريض خارجي ـ قيل إن قطر ضالعة فيه ـ أو بحسابات سياسية داخلية محضة.. فالعقل يقول إن هذا ليس وقته.. بل ليس زمانه علي الإطلاق.. وكلا البلدين لديه ما يكفي من مشكلات وتحديات داخلية صعبة تغنيه عن فتح جبهة جديدة للصراع.. لن يستفيد منها إلا عدوهما المشترك.
أين ذهبت الحكمة السودانية حتي يجري هذا التصعيد العلني الاستفزازي.. وعلي أي شيء تراهن السلطة السودانية في تصعيدها المفاجئ وما حساباتها؟!.. ثم أليس من الأفضل العودة إلي التفاهمات المشتركة السابقة التي توافق عليها البلدان الشقيقان لتحويل حلايب وشلاتين وأبورماد إلي منطقة للتكامل والاستثمار المشترك بما يعود بالخير علي أهل هذا المثلث الحدودي؟!
إذا كانت هناك تيارات في السودان اليوم تري أن مصر ليست في كامل لياقتها.. وأن الوقت مناسب للسير في نفس الطريق الذي سارت فيه أثيوبيا لبناء سد النهضة والاستقواء ببعض القوي العربية والخليجية والأفريقية لحسم ملف حلايب وشلاتين غصباً فهذه رؤية قاصرة بل فاسدة ويمكن أن تكون تكلفتها باهظة.. ولن يسمح بها الشعب المصري الذي يري أن حلايب وشلاتين أرض مصرية لا يجوز لأحد أن يفرط فيها.
إن آخر ما يمكن أن تفكر فيه دولة عربية اليوم هو أن تفتح جبهة للصراع مع شقيقة لها بسبب مشكلة حدودية.. يكفينا ما نحن فيه من صراعات وحروب إقليمية.. وحروب مع الإرهاب.. وصراع مع إسرائيل التي انفتحت شهيتها لتبتلع الجميع.. الأجدي أن نفكر في سبل ووسائل جديدة للتضامن والتعاون العربي من أجل الصمود في وجه التحديات التي تحيط بنا.. لا أن نفتح جبهات داخلية وحروباً بين الأشقاء.
لقد وضعت منظمة الوحدة الأفريقية عند تأسيسها نظاماً للاعتراف بالحدود التي ورثتها أفريقيا عن الاستعمار حتي لا تفتح الأبواب أمام حروب لا تنتهي بين دول القارة بسبب الحدود.. وحتي تتفرغ الدول للتنمية والبناء وتطوير حياة شعوبها.. ونحن جزء من هذا النظام الذي يجب احترامه.. وليس من المتصور أن ملفاً حساساً مثل ملف حلايب وشلاتين الذي لم يحسم منذ عقود طويلة مضت يمكن أن يحسم اليوم.. وفي الظروف القلقة التي نعيشها جميعاً.
القضية قضية شعب وليست قضية حكومة أو نظام.. والشعب الذي وقف في وجه اتفاقية تيران وصنافير لن يفرط في حبة رمل واحدة من أرض حلايب وشلاتين.. لذلك لابد من تحكيم العقل والعودة إلي روح الأخوة.. إلي التوافق والتكامل.. لتكون حلايب نموذجاً للوحدة وليس للحرب والصراع.