الوطن
محمد حبيب
انتخابات الرئاسة ومجلس الشعب عام ٢٠٠٥
(١) يعتبر الاعتراض على ترشح الرئيس الأسبق حسنى مبارك لفترة رئاسة خامسة أحد أسباب تأزم العلاقة بين السلطة والإخوان فى مصر.. وقد ظهر ذلك واضحاً عند اعتراضهم على ترشح الرجل لفترة الرئاسة الثالثة عام ١٩٩٣، ثم للفترة الرابعة عام ١٩٩٩، إذ أعقب كلاً منهما تضييق شديد على الإخوان، تمثل فى مزيد من الملاحقة والمطاردة والحبس الاحتياطى والاعتقالات.. وقد بلغ التأزم ذروته بالمحاكمات العسكرية التى عقدت للإخوان فى عام ١٩٩٥ واستمرت حتى عام ٢٠٠٧.. وحين أعلن الرئيس الأسبق ترشحه يوم ٢٨ يوليو ٢٠٠٥، كان على الإخوان والأحزاب السياسية وقوى المعارضة أن تعلن موقفها من ذلك.. فى تلك المرة، كان ترشح مبارك على أساس التعديل الذى حدث فى نص المادة ٧٦ من دستور ١٩٧١، القاضى بأن يكون الاختيار من بين أكثر من مرشح ووفق الشروط التعجيزية التى تضمنها التعديل.. ولأن الإخوان قاطعوا الاستفتاء على هذا التعديل الذى وصفه خبراء القانون الدستورى بـ«الخطيئة الدستورية»، فقد توقع الكثيرون أن يقاطع الإخوان انتخابات الرئاسة أيضاً.. وقد دعا مكتب الإرشاد، كما حدث من قبل، ممثلى المكاتب الإدارية والأقسام لاستطلاع رأيهم فى المشاركة من عدمها.. وكان أن انتهى الرأى إلى المشاركة.

(٢) وقد ناقشت الأمانة العامة للتحالف الوطنى من أجل الإصلاح الموقف من انتخابات الرئاسة، وكان الاتجاه هو احترام خصوصية كل فصيل سياسى فى تحديد موقفه.. ولأن حزب الوفد -الممثل فى التحالف- أعلن عن ترشح رئيس حزبه (د. نعمان جمعة) على رئاسة الجمهورية، فقد قوبل هذا الترشح من قبل بعض عناصر التحالف، خاصة «الاشتراكيين الثوريين» بالرفض والاستهجان، بل واتهام بـ«الخيانة» فى حق القضية الوطنية، وهو ما جعل ممثلى حزب الوفد (محمد علوان ومحمد إبراهيم كامل) يغادران الاجتماع وهما فى قمة الغضب.. حاولت قدر جهدى منعهما من المغادرة حتى يتسنى تقديم الاعتذار لهما ولحزب الوفد، لكنهما أبيا ذلك.. وكان معهما حق، فلغة التخوين بين فرقاء الوطن مرفوضة بكل المقاييس ويجب أن تنتهى.. ولعل القارئ الكريم يلاحظ كم التخوين المنتشر هذه الأيام بين معظم -إن لم يكن كل- التيارات السياسية (على اختلاف توجهاتها)، خاصة على صفحات التواصل الاجتماعى، بالرغم من مرور ١٢ عاماً على تلك الحادثة، مما يدل على أن القضية لها جذورها.. وقد تم توجيه اللوم الشديد لممثلى «الاشتراكيين الثوريين» على ما بدر منهما، على اعتبار أن القرار الذى اتخذه حزب الوفد بشأن ترشح رئيسه كان قراراً مؤسسياً، وأنه جاء معبراً عن الإرادة الحرة لجمعيته العمومية أو هيئته العليا.

(٣) فى اعتقادى، أن الضغوط التى مارستها إدارة الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن على الأنظمة والحكومات العربية -ومنها النظام المصرى- خاصة عامى ٢٠٠٤ و٢٠٠٥، أدت إلى السماح بحالة من الحراك السياسى داخل هذه الدول.. وقد ظهر ذلك واضحاً فى نشوء كثير من حركات الاحتجاج السياسى التى انتشرت فى مصر آنذاك، والتى كان من تجلياتها ذلك النشاط الواسع فى الندوات والمؤتمرات والتظاهرات، التى كانت تندد بالاستبداد والفساد، وتطالب بالإصلاح والتغيير.. والحقيقة، أن الحديث الأمريكى عن الديمقراطية فى مصر فى عهد بوش الابن قد اتسم بقدر من الخشونة والغلظة بشكل لم يعهده نظام الحكم المصرى من الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وهو ما جعل العلاقات المصرية / الأمريكية تصل فى تلك الفترة إلى تدهور كبير.. وجاء أوباما بعد ذلك ليعيد الأسلوب الأمريكى التقليدى فى التعامل مع القضية.

(٤) كان من أبرز مظاهر الضغوط الأمريكية على مصر، مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذى تلخص فى إقامة الحكم الصالح، بناء المجتمع المعرفى، وتوسيع الفرص الاقتصادية.. وقد شاركت فى تنفيذه ومحاولة فرضه على الدول العربية، مجموعة الدول الثمانى، التى كانت تدفع فى اتجاه سيطرة الثقافة الغربية وإحلالها محل الثقافة الإسلامية.. ولعلنا نتذكر تلك المحاضرة التى ألقتها كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة والتى ذكرت فيها كيف أخطأت الحكومات الأمريكية المتعاقبة فى تأييدها ودعمها لنظم الحكم الديكتاتورية فى الدول العربية على مدى ٦٠ عاماً! كان من تجليات السماح والرضا الذى أظهرته السلطة المصرية تجاه المعارضة، خاصة جماعة الإخوان اختفاء لفظ «المحظورة» من وسائل الإعلام، ونشر حوار مع محمد مهدى عاكف، المرشد العام، فى صحيفة «الأهرام»، وحوار آخر مع كاتب هذه السطور فى صحيفة «الجمهورية».. واتساقاً مع هذا الرضا، تصور الإخوان -وهم مقبلون على انتخابات مجلس الشعب- أن الفرصة سانحة لترشيح أكبر عدد ممكن من الأفراد (فى حدود ١٨٠ - ٢٠٠).. لكن هذا العدد كان يفوق احتمال السلطة فى هضمه واستيعابه.. إذ معنى أن يترشح هذا العدد أن يكون الناجحون فى حدود من ٥٤ إلى ٧٢ شخصاً، فى حالة ما إذا اعتبرنا نسبة النجاح من ٣٠ إلى ٤٠٪.. فكيف إذا كانت النسبة أكبر من ذلك؟!

(٥) وقد استشعرت السلطة «خطورة» ما هى مقدمة عليه، وأن مسألة «الرضا» -التى استجابت لها- ربما تؤدى إلى نتيجة ليست فى حسبانها.. عزز من هذا الإحساس التفاف عشرات الآلاف من الجماهير حول الإخوان فى المؤتمرات والمسيرات خلال الدعاية الانتخابية.. وهكذا الجماهير حين تلمس بحسها ووعيها وذكائها الاجتماعى أن العلاقة بين السلطة والإخوان ليس فيها ما يشير إلى وجود توتر أو احتقان، فتقبل دون تردد على المساهمة والدعم والتأييد لمن ترى فيهم أهلاً لتمثيلها والنيابة عنها.. والدليل على هذا الإقبال ما ذكرناه آنفاً، فضلاً عن انتشار لافتات وملصقات الإخوان بشعاراتهم الخاصة بهم فى كل مكان، ولا أحد يقوم بنزعها أو التعرض لها.. ثم إنه لا توجد تلك الاعتقالات التى كانت تلازم الانتخابات عادة.. ومن هنا بدأت السلطة تعبر عن عدم ارتياحها، حيث ظهر ذلك واضحاً فى برنامج «حالة حوار» وهجومه على الإخوان، وعودة ظهور لفظ «المحظورة» فى وسائل الإعلام من جديد.. وقد لاحظت ذلك شخصياً وأسررت به إلى بعض الإخوان، وأن ثمة رياحاً أو نذر شر تلوح فى الأفق، ومن ثم علينا أن نأخذ حذرنا، وكما قيل: «أرى تحت الرماد وميض نار.. يوشك أن يكون له ضرام».. (وللحديث بقية إن شاء الله).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف