الجمهورية
بسيونى الحلوانى
كارثة توريث الوظائف والمهن في مصر
اتصلت بعيادة طبيب مشهور لحجز موعد فأخبرني مدير العيادة بأن الدكتور مسافر لمدة أسبوع وابن سيادته موجود!!
سألته: ابن سيادته نفس التخصص؟
رد بعنف: أيوه يا فندم.. ونفس الكفاءة.. وقيمة الكشف واحدة 300 جنيه!!
طلبت منه مهلة للتفكير واتخاذ القرار والعودة إليه.
بعد انتهاء المحادثة اتصلت بطبيب صديق أثق به وسألته: إيه رأيك في فلان ابن فلان؟
رد عليّ دون تردد: دا جاهل وأبوه دخله مهنة الطب بالعافية علشان يورث عنه المهنة والعيادة والسمعة والولد لم يكن يرغب في الطب من الأساس لكنه انصاع لرغبة أبيه ودخل الكلية واتخرج وأنت تعرف ما يحدث مع أبناء الأساتذة في كليات الطب وفي الآخر عين معيداً وحصل علي الدكتوراه وأبوه بيفرضه علي المرضي في العيادة.
قلت له: هل تنصح باستشارة الطبيب الابن.. أم أنتظر الأب؟
قال: لا طبعاً انتظر الأب.. فهو أكثر علماً وخبرة وسيبك من ابنه خالص.
***
هذه الواقعة تطرح سؤالاً مهماً: لماذا نصر علي توريث الوظائف والمهن في مصر؟ وهل بالضرورة أن يكون ابن الطبيب طبيباً ناجحاً؟ وابن سيادة المستشار وكيل نيابة متمكناً.. وابن سعادة الباشا ضابط شرطة.. وابن الصحفي صحفياً ناجحاً؟
الأمانة والعدالة تقتضيان الإجابة بـ "لا" فليس بالضرورة أن يكون ابن الشخص ناجحاً ومتفوقاً في مجال عمله.. فكل شاب وله ميول وقدرات ومواهب وإمكانات تختلف عن قدرات وميول والده وينبغي أن يعمل كل إنسان في المجال الذي يناسبه ويعطي فيه وتأهل له بعيداً عن ضغوط الأب ورغباته.
وهنا لا ينبغي أن نبحث عن مبررات ولا نقدم مسوغات لحالة الفوضي التي نعيشها في مصر حيث يفرض كل إنسان ابنه ليكون وريثاً له في المكان الذي يعمل فيه حتي ولو كان الابن متواضع المواهب والقدرات وليس لديه الاستعداد الكافي للعمل في هذا المجال.. وقد يكون الأمر مقبولاً لو كان الأب يعمل في مهنة من المهن الشائعة وتدرب علي يد والده وأتقن المهنة.. لكن أن يزرع الأب ابنه ليحتل وظيفته الحساسة والمهمة والخطيرة فهذا لا يجوز ولا ينبغي بأي حال السماح به وعلينا أن نتعلم من درس استقالة وزير الداخلية الفرنسي "برونو لورو" منذ أيام والذي اتهم بالفساد لمجرد تعيين ابنتيه مساعدتين له في مهمته كنائب في البرلمان.
صحيح أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان قد تساعده علي اكتساب معارف وخبرات وقد يكون الابن أنبه وأكثر قدرات من أبيه ولكن تظل هذه حالات شاذة.. والشاذ لا يقاس عليه.
***
يجب أن نعترف بأن ظاهرة توريث الوظائف في مصر لا يوجد لها مثيل في أي دولة في العالم. وهي للأسف منتشرة في كل مواقع العمل ابتداء بأبناء القضاة والدبلوماسيين وأساتذة الجامعة والأطباء والصحفيين وضباط الشرطة.. وانتهاء بأبناء العمال حيث يري كل عامل أن من حقه أن يكون ابنه وريثاً له في الوزارة أو المؤسسة التي يعمل بها بصرف النظر عن قدرات الابن ومدي استعداده للقيام بعمل والده.
قد يكون "ابن الوز عوام" كما يقول المثل المصري. وقد يكون الابن أكثر موهبة واستعداداً من والده. ومن العدل والإنصاف ألا توضع في طريقه عقبات وألا يحرم من عمل تم تأهيله له علمياً ونفسياً.. لكن من الظلم أن يكون كل مؤهل الابن هو وجود والده ونفوذه أو كثرة إلحاحه علي رؤسائه أو زملائه لإعطاء فرصة لابنه.
استمرار هذه الظاهرة ضد العدالة الاجتماعية التي نبحث عنها في مصر. فليس من حق موظف في أي مكان أن يفرض ابنه "غير المؤهل" علي مكان عمله لأنه بالتأكيد سيكون فاشلاً وعبئاً علي مكان العمل وقد يكون ذكري سيئة لوالده.
العدالة والإنصاف يعنيان هنا إعطاء فرصة العمل لمن يقدر علي أعبائه ومسئولياته بصرف النظر عن وجود والده. فلو كان لدي الابن مواهب وقدرات ومسوغات للقيام بالعمل فأهلاً ومرحباً به.. أما لو كان محدود المواهب والقدرات.. ضعيف الإمكانات.. لا يقدر علي العطاء في هذا المكان.. فالحق والعدل أن يبحث عن العمل الذي يجيده ويستطيع أن يعطي فيه أكثر.
مصر في أمس الحاجة إلي العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه بعيداً عن ظاهرة توريث الوظائف التي ابتلينا بها وأضاعت حقوق كثير من شباب مصر النابغ.
شباب مصر في حاجة إلي عدالة حقيقية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف