عندما دفع عبد الناصر بالجيش المصرى إلى اليمن، تساءل العامة: ما هو حكم الشريعة فى الجندي المقتول بدولة اليمن؟، هل يعد شهيدا؟، وماذا عن اليمنى المقتول بنيران شقيقه العربى المسلم؟، ما هو حكم الشرع فيمن يقتل وهو يدافع عن وطنه؟، هل يعد شهيدا؟.
قيل: إن القاتل والمقتول فى النار، وقيل: إن المصرى المقتول فى اليمن لن يعد شهيدا، لماذا؟، لأنه لم يكن يدافع عن دينه، ولا عن عرضه، ولا عن ماله، ولا عن أرضه، كان يدافع عن مسمى، عن توصيف، عن مصطلح: الجمهورية، وقيل: إنه فى منزلة بين منزلتين، بين الجنة والنار، وإن الله عز وجل هو الذى سيفصل فى الأمر، وقيل: يعد شهيدا، لأنه كان يقاتل الفئة الباغية التى ترفض المصالحة، تنفيذا لقوله تعالى: « وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ـــــ الحجرات 9 ".
أتذكر جيدا أن البعض لم يقتنع بأن الجندى المقتول كان يقاتل الفئة الباغية، لأن العقيد السلال هو الذى تمرد وخرج عن الحاكم، كما أنه هو الذي شجع على قتله من أجل تغيير المسمى والتوصيف للنظام، من ملكي إلى جمهوري.
والبعض الآخر أعطى تفسيرا جديدا لآية الحجرات، إذ قصر الطوائف المتقاتلة والمحكمة بينهما على أبناء البلد الواحد، بأن تخرج طائفة ثالثة بأمر الوالي أو الحاكم من نفس البلد تفصل بين الطائفتين، وفى حالة رفض أحدهما تقاتل الطائفة الباغية حتى تفيء.
فقد نسب الطبري(ت 310هـ) فى تفسيره إلى ابن عباس رضى الله عنه(ت 68هـ) قوله" فيحق على إمام المؤمنين أن يجاهدهم ويقاتلهم، وقد اشترط ابن زيد بأن لا:" يقاتل الفئة الباغية إلا الإمام"، والخلاف فى اليمن كان على الإمامة في ثوب المسمى: جمهورية أو ملكية، والرئيس عبدالناصر لم يكن إماما للمسلمين
هذه القضية التى تفجرت بين العامة فى المدن والقرى المصرية منذ 53 سنة مضت بسبب حرب اليمن، اليوم تعود للظهور مرة أخرى بنفس الصياغات وبنفس علامات الاستفهام، وتعود كذلك لنفس الظرف وهو الحرب فى اليمن مع اختلاف المسمى والتوصيف، منذ خمسين سنة كان السؤال خاص بالمصريين، اليوم أصبح أعم وأشمل: ما هو حكم الجندي العربي المقتول على أرض اليمن؟، هل يعد شهيدا؟، وماذا عن اليمنى الذي يقتل وهو يدافع عن وطنه؟، هل يعد شهيدا؟، هل يعامل بما جاء في آية الحجرات:" وإن طائفتان اقتتلوا.. أم بمقولة الرسول صلى الله عليه وسلم:" إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار. فقيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه. رواه البخاري ومسلم. "؟، هل الحالة اليمنية تنطوى تحت حكم اقتتال الطائفتين أم حكم الخروج على الحاكم؟.
السؤال الأكثر صعوبة: من هو الإمام الذي يحق له(حسب اشتراط ابن زيد وابن عباس) التدخل للمصالحة بين الطرفين أو لقتال الطائفة الباغية؟، هل الذي تستدعيه إحدى الطوائف؟، وماذا لو استدعت الطائفة الأخرى إماما آخر للتدخل؟.