لي موعد ثابت أحرص فيه كل عام، أن أزور حديقة الأورمان التي أنشأها الخديو إسماعيل.. لكي احتفل- مع الزهور- بعيد الربيع. ومن هناك اختار كل مرة الكثير مما أعشق، وفي مقدمة ذلك، نباتات الصبار وهي تحسب بالآلاف.. وبين هذه النباتات أمضي ساعات طويلة أتأمل عظمة الخالق العظيم، الذي جعل هذه النباتات تقاوم أشد حالات الجفاف.. ليخلق لنا- منها- أجمل الزهور.. وأشهي المأكولات..
وهناك ألتقي بصديقي المستشار ثروت بدوي الذي اعتبره العاشق الأكبر للصبار في مصر، وهو من أكبر منتجيه.. والذي بدأت علاقته بالصبار هاوياً.. حتي أصبح خبيراً عالمياً، وليس عالماً مصرياً فقط.. وهو بالمناسبة والد الإعلامية اللامعة رانيا بدوي، وهي نجمة صحفية، فضلاً عن كونها نجمة تليفزيونية.. مشاكسة!! وبجانبه تقف معه- وتناضل- السيدة قرينته ومعه آخر العنقود الابن العزيز وليد خريج كلية الزراعة، الذي ورث عن أسرته عشق الصبار.. وهم رعاة واحدة من أفضل مزارع الصبار في مصر، في طحانوب بشبين القناطر.
<< وبسبب عشقه للصبار يحرص الهواة والمحترفون علي زيارة معارضه من رجال السياسة والزراعة.. من الحكام ورؤساء الوزارات إلي الوزراء.. ومن يتأمل نباتات الصبار يجد العجب. فهي ليست فقط تعرف كيف تتكيف وتحيا وتحمي نفسها من المعتدين، أي من الطقس والجفاف والقسوة.. ولكنها تعطينا المثل علي تقبل الحياة رغم قسوتها.. ولذلك يصفون مصر بأنها أم الصابرين.. وما حكايات نبي الله أيوب عن تحمله للمرض إلا مثل علي «صبر» المصريين علي كل ما عانوا منه عبر الزمن، وما يتحملونه من مشاكل الحياة.
<< واللافت للنظر أن الدرس الأول للصبار هو كيف يحمي نفسه من المعتدين، وكيف يواصل حياته.. بل وينتج أحلي الزهور وأحلي الثمار.. وليس التين الشوكي إلا واحدًا منها.. فقط.
فالصبار يعيش علي الكفاف- تماما كما المصريون- ربما علي قطرات من الندي.. أو فقط من مطر نادراً ما يسقط.. ولأن الصحاري هي موطنه.. فإن هذه الصحاري هي مناطق حياة للأغنام وغيرها تبحث عن كل أخضر لتأكله.. هنا تتصدي نباتات الصبار للدفاع عن نفسها.. وما الأشواك التي تحيط نفسها بها إلا أسلحة الصبار.. وسبحان الله..
<< وأعشق الصبار- بسبب صموده- كما المصري- الذي يتحدي ويصمد للأهوال بسبب زهوره.. وطول باله.. وجماله اللامحدود.. وتنوع ألوانه.. وروعة أشكاله.. وربما لا يعرف العامة إلا عمة القاضي الشهيرة.. ولكنني أعشق كذلك حب الحياة الذي نتعلمه من هذا الصبار. ونباتاته تصلح لكل الأماكن: البلكونات وشرفات البيوت.. وأيضا من يمتلك بيتا ولو صغيراً.. وما يشدني كذلك في الصباريات هو طول عمره وطول عمر زهوره.. شبه الدائمة.. وهي هواية غير مكلفة.. فالصبار- مثل المصري- يقبل بالقليل. ويقنع بالأدني.. وهذا هو الدرس الأول..
<< ولا أملَّ أبداً من النظر إلي زهور صبارياتي كل صباح. منها أتعلم حب الحياة.. وقيمة الدفاع عن الأرض.. أي الموطن والوطن. ويا سلام علي مربي التين الشوكي وشربات التين.. والمنظر شديد الروعة..
شكراً سيادة المستشار ثروت بدوي الذي حببتني أكثر في عالم الصبار.