جريدة روزاليوسف
محمد يوسف
وجبة مدرسية بالسم الهارى!!
«الدرس انتهى لموا الكراريس».. تذكرت عنوان هذه القصيدة التى كتبها الشاعر الكبير صلاح جاهين عقب مذبحة «بحر البقر» بالشرقية، حين قصفت طائرات العدو الإسرائيلى تلاميذ المدرسة وتناثرت دماؤهم الطاهرة وأشلاء أجسادهم البريئة فى مشهد دامى يستحيل نسيانه، وأنا أتابع طوفان الأخبار المنشورة عن تسمم آلاف التلاميذ خلال أيام معدودات . ولعل الاختلاف الوحيد بين الجريمتين أنه فى الحالة الثانية جاءت الجريمة من «نيران صديقة» بسبب توزيع وجبات مدرسية منتهية الصلاحية على فلذات أكبادنا.. المدهش بل المؤسف فى جميع هذه الحوادث أننا لم نقرأ خبر حبس مسئول هنا أو استقالة وزير هناك استشعاراً منه بالمسئولية أو الذنب عما حدث لأبنائنا. حيث بات من المعتاد، كوجبة يومية، أن يأتينا «خبر» تسمم 2000 تلميذ بسوهاج أو 30 بالشرقية أو 70 فى المنوفية.. حتى وصل عدد التلاميذ المصابين بالتسمم على مستوى الجمهورية أكثر من 3200 تلميذ.. وبطبيعة الحال تتدخل العناية الإلهية فى الوقت المناسب لتنقذ أرواح هؤلاء الأبرياء، الذين لا ذنب لهم إلا خراب ذمم بعض التجار الذين يقومون بتوريد أغذية غير صالحة للاستهلاك الآدمى من ناحية وإهمال الأجهزة الرقابية وانعدام المتابعة والإشراف من جهة ثانية. المفاجأة أنه فى الوقت الذى يسقط فيه كل هذه الأعداد من التلاميذ، مغشيا عليهم إثر تناولهم «وجبة مدرسية»، تأتى بيانات وزارة الصحة أو وزارة التعليم، لتنفى وقوع حالات تسمم، أو تسميها «اشتباه فى تسمم»، بل يصل الأمر ببعض المسئولين للقول أن التلاميذ أصيبوا بـ«وهم التسمم» أو «الإيحاء» ثم «نكفى على الخبر ماجور» ونكتفى بطمأنة الجماهير الغاضبة بإعلان خروج وعلاج أغلب الحالات من المستشفى، عقب تلقى العلاج.. ثم ننتظر وقوع ضحايا جدد. وتثير هذه الحوادث، التى لم تتوقف بالمناسبة حتى أثناء كتابة هذه السطور، حالة فزع بين مئات الآلاف من الأسر خوفاً على صحة وحياة أبنائهم.. ورغم توجيه القيادة السياسية المتمثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى بإحالة هذه القضايا برمتها إلى دوائر التحقيق على أعلى مستوى.. فى المقابل يتعامل المسئولون بروح اللامبالاة المقيتة التى طالما أزهقت أرواحاً بريئة.. حيث اعتاد المسئولون على التحرك عقب وقوع الكارثة وليس العمل على منعها . فمن المفترض أن هذه الوجبات التى يتم توزيعها على الطلاب تساعدهم على استكمال اليوم الدراسى وتعوض نقص العناصر الأساسية فى الغذاء خاصة الحديد والفيتامينات وانقاذهم من الانيميا والهُزال.. ولكنها للأسف تحولت إلى مصدر للتسمم وإصابة التلاميذ بالأمراض بدلاً من حمايتهم منها. يحتاج الرأى العام، وبكل سرعة وحسم، لمعرفة نتائج التحقيق فى تكرار هذه الحوادث.. وهل العيب فى الوجبة نفسها وعدم التزام الموردين بالمواصفات.. أم أن التخزين السيئ وراء فساد الوجبات المقدمة لهم.. إلى جانب حاجتنا الماسة كإعلاميين لفتح تحقيقات صحفية ربما تساهم فى تقريب الصورة لدوائر التحقيق وهذا الدور كثيراً ما نجحت فيه الصحافة وخصوصاً الاستقصائية منها، بعيداً عن ممارسة الصحافة عبر الهواتف أو من خلال مكاتب المسئولين مكيفة الهواء .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف