المساء
أحمد عمر
المواطن أولاً
أكاد أجزم أن القيادة السياسية لديها رغبة حقيقية في الاصلاح رغم الشكوك الكبيرة في الشارع نتيجة ما نشهده من مظاهر يومية للفساد والانحراف تصدر عن هيئات عامة ومؤسسات رسمية كحوادث تسمم التلاميذ واللحوم البرازيلية وتصدع منشآت حديثة ناهيك عما يلمسه أي مواطن خلال تعاملاته اليومية مع أجهزة الدولة.
بل أثق في وجود إرادة سياسية جادة لمكافحة الفساد وجذب الاستثمارات والنهوض بالوطن يترجمها إطلاق أيدي الأجهزة الرقابية في تنظيم حملات الضبط والتفتيش والمتابعة وما تسفر عنه من قضايا رشوة وأموال عامة بصورة شبه يومية تنال من شخصيات كانت تبدو نافذة.
ثورتان مرتا بنا زلزلتا المنطقة واثرتا في العالم وافرزتا هذه القيادة الوطنية لكنهما تعجزان عن خلخلة فيروسات الشر التي انتشرت في عهد مبارك الأسود.. الذي كان يبدو ضاحكا مستمتعا بالفساد وصاحب نظرية إن الفساد عامل استقرار علي اعتبار ان الفاسد لا يثور..!!
بعد سنوات من تولي مبارك الحكم.. طلب صديقي ضابط الشرطة الشريف النقل إلي منفذ السلوم البري بعيدا مئات الكيلومترات عن بيته وأولاده حتي يؤمن لأسرته دخلاً اضافياً من "بدل المناطق النائية" ويحقق حلم الأطفال في اقتناء تليفزيون ملون ويشتري لهم من هناك "قاريونس" الذي كان يأتي رخيصا من ليبيا.. المهم ان حبيب العادلي وزير الداخلية انذاك قرر إلغاء البدل الذي تغرب صديقنا من أجله بعد أسابيع قليلة من وصوله.. وصول صديقنا إلي السلوم ووصول العادلي إلي كرسي الوزارة.. وصادف ان جاء مبارك السلوم لعبور المنفذ البري في طريقه إلي ليبيا إبان الحظر الجوي عليها فتجرأ هذا الضابط وناشد الرئيس التدخل لإعادة البدل النقدي فنظر إليه مبارك مندهشا قائلا "آمال فين الجنيه الجبس" ثم أطلق ضحكته العابثة وهو يتجه لسيارته.. وكأنه يقنن للمقولة الساخرة التي كان يطلقها الشارع علي رجال الشرطة الفاسدين في ذلك الوقت.. لم اندهش بعدها حينما كنت انقل لصديقي مأمور القسم الشكوي من أحد رجاله يفرض اتاوات علي الباعة فإذا به يحدثني عن شظف العيش وضعف الرواتب واضطرار رجله إلي تأمين دخل اضافي..!!
وكنت احقق في جريمة قتل غامضة حينما فوجئت بسيادة اللواء مساعد مدير الأمن موجودا حيثما لاينبغي أن يكون.. الرجل كان يعرفني فشعر بحرج بالغ وأخذ يروي لي كيف إن راتبه لا يكفي اسرته طعاما وإنه يعيش باقي الشهر علي الخبز والجبن والبطيخ.. وانه لا يفعل حيث وجدته سوي تقديم النصائح القانونية..!
الفقر ليس مبررا للفساد.. لكنه كفيل بتحطيم إرادة المقاومة لدي السواد الأعظم من الناس إلا من رحم ربي.. الجوع كافر.
** المغزي هو التأكيد علي ارتباط نجاح التنمية بمكافحة الفساد.. وانه قضاء علي الفساد إلا بمكافحة الفقر.. حصول المواطنين علي حياة كريمة وشعورهم بالعدل هو السبيل الوحيد للنهوض بالوطن..المواطن أولا وما عدا ذلك مجرد شعارات جوفاء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف